أحمد بن أبي الحواري من قدماء مشايخ الشام، تكلم في علوم المحبة والمعاملات، وصحب أبا سليمان الداراني، وأخذ طريقة الزهد من أبيه أبي الحواري. ولأحمد ابن يقال له: عبد الله قد روى عن أبيه وكان من الزهاد أيضا.
وقال أيضا: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول: كان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
وقال أيضا: سمعت أبا بكر الرازي (1) يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال أحمد بن أبي الحواري: لما دلني أبي على أبي سليمان قال: يا بني اجتهد فيما آمرك، ولا تكتم عني شيئا من أسرارك، فصحبته ما صحبته حتى قال لي يوما: قد طلبت العلم وعرفته فاطلب من نفسك الاخلاص، وإياك أن تطلب بالعلم غير الله فيمنعك. قال:
فأخذت كتبي كلها وغرقتها في البحر، وأقبلت على العبادة، فما زال أبو سليمان يرقى بي درجة درجة حتى قال لي: يا بني قد بلغت أوائل الزاهدين فاجتهد. قال أحمد بن أبي الحواري: صحبت أبا سليمان طول ما صحبته، فما انتفعت بكلمة أقوى علي وأهدى لرشدي وأدل على الطريق من هذه الكلمة. قلت له في ابتداء أمري: أوصني، فقال: أمستوص أنت؟ قلت: نعم، إن شاء الله. قال: خالف نفسك في كل مراداتها، فإنها الامارة بالسوء، وإياك أن تحقر أحدا من المسلمين، واجعل طاعة الله دثارا، والخوف منه شعارا، والاخلاص زادا، والصدق جنة، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة، ولا تفارقها، ولا تغفل عنها، إنه من استحيى من الله عز وجل في كل أوقاته وأحواله وأفعاله، بلغه إلى مقام الأولياء من عباده. فجعلت هذه الكلمات