الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - الصفحة ١٢
من هذه النخلة فاليمين على ثمرتها لأنه لم يقدر على أكل عينها حقيقة، فحمل على المجاز فكذلك الفرق بين الفرات والبئر.
واعلم أن العرب إذا وجدت الحقيقة في كلامها لا يعدلن عنه وإذا لم يجدوا الحقيقة حملوا كلامهم على المجاز المتعارف فإذا لم يجدوا حملوا على المجاز فأما الحقيقة إذا قال رجل هذا أسد لا يشكون أنه رأى عرباضا ولو قال زيد الأسد حمل على المجاز إذ كان الحمل على الحقيقة متعذرا قال الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) فلم يرد أنهم أمهاتنا لكنه حمله عليه المجاز فلما جاء على الحقيقة قال: (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وأما المجاز المتعارف فقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) فإن أحدنا لو جاء الغائط ألف مرة لا ينتقض وضوءه وإنما جعل الغائط كناية عن الحدث وإن كان الحدث أيضا مجازا إلا أنني استقبحت أن أذكر الحقيقة إذا لم أجد له في العربية اسما حقيقيا إلا اسما واحدا وأما المجاز غير المتعارف فقولهم الوطء يكون على الوطء بالقدم على الحقيقة وكناية عن الجماع قال الله تعالى: (وأورثكم أرضهم ديارهم وأرضا لم تطئوها) والمراد منه الجماع لأنه لما قال أرضهم وديارهم كفى في البلاد وأرضا لم تطؤها يعنى النساء.
* * * مسألة رجل قال: أن خرج فلان من هذه الدار حتى آذن له فعبدي حر. فأذن له مرة ثم خرج بغير أمره لا يحنث لأن حتى تكون للغاية فإذا قال حتى آذن له فكأنه قال غاية ذاك أذني له قال الله تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى) فلو كان أبوه أذن له مرة له يحتج إلى إذن ثان ولو كان قال إلا بإذني احتاج إلى الإذن في كل مرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عند إلا بإذنه) فيحتاج إلى الاستئذان في كل مرة.
والفرق بينهما أن المسألة الأول جعل لها غاية بقوله حتى. فإذا انتهت غايتها سقطت كأنه قال لا أكلمك حتى يدخل رمضان فإذا دخل رمضان جاز له الكلام من غير حنث لأنه جعل رمضان غاية ليمينه. وأما الإذن فقال تعالى: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي قبل إذني لكم. فهذا محتاج إلى الإذن كل مرة، كأنه قال: إلا
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»