كان عمر بن الخطاب كثيرا مما يحدثنا عن أخبار الجاهلية وأهلها ويقول الأجل حصن حصين وكهف منيع ولقد أتت علي أحوال مهلكات نجوت منها سالما وكنت من أشد الناس إقداما على ما يعجز عنه كثير من الناس من الدخول على الملوك ومباشرة الحرب حتى إني ونفر من أقراني من قريش دون العشرة أقدمنا على مائة رجل من ذوي البأس في بعض طريق الشام وقد أجمعوا للقاء أقران لهم فهجمنا عليهم ضحى فواقفنا هم (1) حتى ذهب النهار وجاء الليل فتحاجزنا وما ظفروا منا بشئ وافترق أصحابي بعد ذلك فرقتين فكنت في أقلهم عددا فأقمت أنا ومن صار معي منهم بمكاننا وغدا الآخرون عنا يريدون البحر فذهبوا إلى الساعد (2) فما نعلم لأحد منهم خبر وانطلقنا نحن إلى الشام فقضينا أمرنا فلما هممنا بالانصراف طعن رجل من أصحابي فمات وسرت أنا وواحد منهم لم يبق معي غيره فلم تنتصف الطريق بنا حتى غشينا في ليلة ظلمة سبع فاختطفه وبقيت وحدي فأتيت مكة فأقمت بها أياما ثم توجهت لبعض الأمر فبينا أنا أسير تغولت (3) لي الغول فقالت لي أين تعمد يا بن الخطاب فقلت وما عليك من ذلك فاستدار وجهها حتى صار من ورائها فرفعت السيف فأضرب ما بين كتفيها وعنقها فأبنته (4) وانطلقت حتى قضيت حاجتي وحدثت نفسي أن لا آخذ في ذلك الطريق فأتيت على المكان الذي وقعت بالغول فيه فلم أر لها أثرا فبينا أنا أسير إذ سمعت صياحا قد علا ولا أرى أحدا فما راعني ذلك ولا استوحشت له وسرت حتى أتيت مكة وكان الناس يكثرون ذكر النعمان بن المنذر ويصفون إكرامه من يأتيه من قريش فتوجهت نحوه حتى انتهيت إليه فوجدته جالسا في مجلس عظيم وقد كثر الناس فيه فجلست حيث انتهى بي المجلس فبينا أنا كذلك إذ سمعته يدعو بقوس وجعبة فأتي بها فنكب (5) السهام بين يديه وجعل يتأمل الناس فإذا رجل قد طالهم وعلا عليهم رشقة في أذنه بسهم فأنشبه فيه وكنت رجلا طويلا فلما رأيته فعل ذلك برجلين خفت أن
(٢٩٠)