أن تكون هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بأذانهم من الفتنة ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة (1) ففازوا بثواب الأبرار إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة وإن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله قطعوا محبتهم بمحبة الله ونظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم وتوحشوا من الدنيا لطاعة مليكهم وعلموا أن ذلك منظور إليهم من شأنهم فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به فارتحلت منه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شئ واحفظ لله ما استرعاك من دينه وحكمته قرأت على أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل عن أبي القاسم علي بن محمد المصيصي أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أخبرنا محمد (2) بن أحمد بن عثمان الشاهد أنبأنا محمد بن جعفر السامري قال سمعت أبا موسى المؤدب يقول قال قيس بن النعمان خرجت يوما إلى بعض مقابر المدينة فإذا أنا بصبي جالس عند قبر يبكي بكاء شديدا وإن وجهه ليلقي شعاعا من نور فأقبلت عليه فقلت أيها الصبي ما الذي عقلت (3) له من الحزن حتى أفردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلاء (4) وأنت بغو الحداثة مشغول عن اختلاف الأزمان وحنين الأحزان فرفع رأسه وطأطأه وأطرق ساعة لا يحير جوابا ثم رأسه وهو يوقل * إن الصبي صبي العقل لأصغر * أزرى بذي العقل فينا لا ولا كبر * ثم قال لي ما هذا إنك خلي الذرع (5) من الفكر سليم الأحشاء من الحرقة أمنت تقارب الأجل بطول الأمل إن الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلاء يذكر قول الله عز وجل " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " (6) فقلت بأبي أنت وأمي من أنت فإني لأسمع كلاما حسنا فقال إن من شقاوة أهل البلاء قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي وهذا قبر أبي فأي أنس آنس من قربه وأي وحشة تكون معه ثم أنشأ يقول
(٢٨١)