أحب الصفي فيما يرويه الناس بالصاد (1) لأن الصفي يكون للملك دون السوقة والضفي بالضاد أبلغ في المعنى لأنه الغزيرة اللبن قال القاضي والذي حكى في هذا عن بندار قريب وجائز أن يكون الصفي بمعنى الشئ الذي يختار ويصطفى وإن كان مصطفيه غير ملك لأن صفي المال إنما وسم بهذه السمة لأن الملك اصطفاه لنفسه وجائز أن يصطفيه الملك ثم يصير لبعض السوقة وجائز أن يقال للشئ الكريم صفي بمعنى أنه لنفاسته مما يصطفيه الملوك ويصلح أن يصطفوه فيعبر عنه بذلك قبل أن يصطفي كما قال الله عز وجل " ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا (2) " فسماهم شهداء قبل أن يشهدوا وكقوله " إني أراني أعصر خمرا (3) " وكانت الملوك قبل الإسلام تصطفي من الغنيمة علقا منها كريما أو غرة مستراة لأنفسها فتأخذه دون الجيش وفي ذلك يقول الشاعر * (4) لك المرباع منها والصفايا * وحكمك والنشيطة والفضول * يعني بالمرباع ربع الغنيمة والصفايا جمع صفية وهي ما ذكرنا وقوله وحكمك أي ما تتحكم فيه وتحكم به والنشيطة ما تنشطته من المغنم فتأخذه والفضول ما فضل من القسمة أو كان القسم لا يحتمله ثم جعل الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) فيما غنمه المسلمون من المشركين الخمس ولذوي القربى من رهطه ومن سمي معهم فحط ما جعل له عن قدر ما كانت الملوك تأخذ قبله تطييبا لنفوس أصحابه وتوكيدا لما نزهه عن أخذ الأجر على ما جاء به وروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال ما لي في هذا المال إلا الخمس وهو مردود فيكم [* * * *] وكان (صلى الله عليه وسلم) يأخذ منه (5) حاجته لمؤنته ومؤنة أهله ويصرف باقي ما أخلص له وهو خمس الخمس في الكراع (6) والسلاح وما كان تأييدا للدين وعتادا لنوائب المسلمين وكان له (صلى الله عليه وسلم) الصفي أيضا وكان يأخذه من أصل الغنيمة وروي أنه أغار (7) على بني المصطلق وهم غارون فقتل مقاتلتهم وسبا ذراريهم واصطفى منهم جويرية بنت الحارث
(٢٩٦)