لما رأيته وعلاني له الهيبة فلما أحس (1) بي سلم والتفت إلي فإذا هو إبراهيم بن سعد فعرفته بعد ساعة فقال لي هاه فوبخني وقال اذهب فغيب عني شخصك ثلاثة أيام ولا تطعم شيئا ثم ائتني ففعلت ذلك فجئته بعد (2) ثلاثة وهو قائم يصلي فلما أحس (1) بي أوجز في صلاته ثم أخذ بيدي فأوقفني على البحر وحرك شفتيه فقلت في نفسي يريد أن يمشي بي على الماء ولئن فعل لأمشين فما لبثت إلا يسيرا فإذا أنا برف من الحيتان مد البصر (3) قد أقبلت إلينا رافعة رؤوسها فاتحة أفواهها فلما رأيته قلت في نفسي أين أبو بشر الصياد انسان كان بأولاس هذه الساعة فإذا الحيتان قد تفرقت كأنما طرح في وسطها حجر فالتفت إلي فقال فعلتها فقلت إنما كذا وكذا فقال لي مر لست مطلوبا بهذا الأمر ولكن عليك بهذه الرمال والجبال فوار شخصك ما أمكنك و تقلل من الدنيا حتى يأتيك أمر الله (4) فإني أراك بهذا مطالبا ثم غاب عني فلم أره حتى مات وكانت كتبه تصل إلي فلما مات كنت قاعدا يوما فتحرك قلبي للخروج من باب البحر ولم يكن (5) لي حاجة فقلت لا أكره القلب فيغمني فخرجت فلما صرت في المسجد الذي على الباب إذا أنا بأسود قام إلي فقال أنت أبو الحارث فقلت نعم فقال آجرك الله في أخيك إبراهيم بن سعد وكان اسمه ناصحا (6) مولى لإبراهيم بن سعد فذكر أن إبراهيم أوصاه أن يوصل إلي هذه الرسالة فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم يا أخي إذا نزل بك أمر من أمر فقر أو سقم أو أذى فاستعن بالله واستعمل عن الله الرضا فإن الله مطلع عليك يعلم ضميرك وما أنت عليه ولابد لك من أن ينفذ فيك حكمه فإن رضيت فلك الثواب الجزيل والأمن من القول (7) الشديد وأنت في رضاك وسخطك لست تقدر أن تتعدى المقدور ولا تزداد في الرزق المقسوم وأثر المكتوب والأجل المعلوم ففي أي هذه الأفعال تريد أن
(٤٠٤)