تفضل على سائر الناس ولكن اجعله في كل ليلتين أكلة فلزمت ذلك وقتا وصعب علي جدا وذلك لا من طريق نفسي وامتناعها علي ولكن لعلمي بأن الطي منزلة عظيمة عالية وهبة من الله جزيلة رفيعة لا يعطيها إلا من عرف قدرها فرغبت إلى الله تعالى فيها فسألته إدامتها لي والتفضل بها علي فوهبها إلي بفضله ومنه فكنت آكل ذلك القوت الذي كنت آكله في (1) ليلة واحدة أتناوله في ليلتين وكنت الليلة التي أطويها يأتيني شخص جميل حسن البشرة نظيف الثياب بجام أبيض فيه عسل فيقول لي كل فألعقه وأصبح شبعان وهذا في المنام ثم فني القوت الذي ادخرته فكنت أجئ بعض الطرقات إذا اختلط الظلام إلى موضع أصحاب البقل وأتقمم (2) منه ما سقط منهم وبقيت على ذلك أيضا وقتا كبيرا (3) ثم كنت أخيط القميص في القرية لقوم مساكين وأكتفي بأجرته أياما فبينا أنا يوما مارا أريد القرية في طلب الخياطة رأيت مسجدا في وسط مقبرة وفيه سدرة كبيرة وفيها نبق أخضر مباح فقلت في نفسي هذا المباح ها هنا وأنت تريد معاشرة الناس ومعاملتهم فلزمت المقابر أتعلل (4) من ذلك النبق وآخذ منه دوين البلغة حتى فني النبق ولم يبق منه شئ ثم بقيت بعد ذلك سنين وقوتي العظام ثم مكثت بعد العظام وقوتي الطين اليابس والرطب من الأنهار فكنت أحيانا لا أفرق بين الطين الرطب إذا أخذته من النهر وبين الخبيص من طيبه عندي وما وجدت لاختلاف هذه الأحوال صيفا ولا شتاء ضيقا من عقل ولا ضعفا في (5) بدن وكنت عند البقل أضعف إذا تناولته وقال ابن جهضم سمعت أبا بكر محمد بن داود يقول سمعت أبا بكر الكتاني يقول تكلم أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز بمكة في مسألة علم فأنكروا عليه فوجه إليه الأمير قم فاخرج من مكة فتناول نعله وقام ليخرج فقلنا له اجلس يا أبا سعيد حتى ندخل على الأمير ونخاطبه بما يصلح (6) ونعرفه بمكانك فقال معاذ لله
(١٣٦)