وبعد: فإن للسنة النبوية الشريفة منزلة عظيمة في التشريع الاسلامي، فهي المصدر الثاني بعد القران العظيم، فقد قال الله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا) (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرمه رسول الله مثل الذي حرم الله " (2).
ومن هنا لزم الاهتمام بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتمييز بينه وبين ما لم يصح، فقد مكن الله سبحانه وتعالى جنوده من العلماء الثقات، الأفاضل، مكنهم من المحافظة على كنوز السنة، ومعرفة ما هو صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما هو مدسوس من الوضاعين المتطفلين على النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعوا قوانين يعرف بها صحة الحديث، من عدمه، فوصلت إلينا نقية خالصة، يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصحابي الأمين، وعنه الثقة، وعنه الثقة...
وهكذا.
فأنشأوا علم الجرح والتعديل، ومعرفة أحوال رجال الاسناد، من حيث قبول روايتهم أو عدم قبولها.
ووضعوا شروطا تقبل بها الرواية وأخرى ترد بها. فحفظوا السنة النبوية المطهرة خالصة من كل وضاع كذاب.
ومن هؤلاء، العلماء الأفذاذ الامام يحيى بن معين، الذي كانت له اليد الطولي في إنشاء هذا العلم وإرساء قواعده فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.
فكان لزاما علينا أن نتعرف على الامام الناقد المتبحر يحيى بن معين، فتقدم له بترجمة مبسوطة وافية.