الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٤٢
قال أبو محمد: ولا وليجة أعظم ممن جعل رجلا بعينه عيارا من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام سائر علماء الأمة، وقال تعالى: * (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) *، وقال تعالى: * (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) *، وقال تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) *.
قال أبو محمد: فمن لم يأت بكتاب الله تعالى شاهد لقوله، أو ببرهان على صدق قوله، وإلا فليس صادقا، لكنه كاذب آفك، مفتر على الله عز وجل، ومن أطاع سادته وكبراءه وترك ما جاءه عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ضل، بنص القرآن واستحق الوعيد بالنار، نعوذ بالله منها وما أدى إليها.
وقال تعالى حاكيا عن الجن الذين أسلموا مصدقا لهم ومثبتا عليهم * (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) * فبطل ظن من ظن ذلك في رئيس قلده لم يأمر الله تعالى بأن يقلده.
وقال تعالى: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) *.
قال أبو محمد: هكذا والله يقول هؤلاء الفضلاء الذين قلدهم أقوام قد نهوهم عن تقليدهم، فإنهم رحمهم الله تبرؤوا في الدنيا والآخرة من كل من قلدهم، وفاز أولئك الأفاضل الأخيار، وهلك المقلدون لهم بعد ما سمعوا من الوعيد الشديد، والنهي عن التقليد، وعلموا أن أسلافهم الذين قلدوا قد نهوهم عن تقليدهم، وتبرؤوا منهم إن فعلوا ذلك. ومن ذلك ما حدثنا أحمد بن عمر، ثنا علي بن الحسن بن فهر، حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد الذهلي، ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ثنا مالك قال:
كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك، أنا أقول برأيي، من شاء أخذه وعمل به، ومن شاء تركه. وقد ذكرنا قول مالك وندامته على القول به.
وقال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي، من أتانا بخير منه قبلناه منه.
وقال عز وجل: * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) *.
(٨٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 837 838 839 840 841 842 843 844 845 846 847 ... » »»
الفهرست