الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٢٦
التحيات، إذ ذكر النار، أورده مسلم في كتاب الزكاة، وحياءه صلى الله عليه وسلم من الأنصارية المستفتية في غسل المحيض، ووصفه الجبة التي على البخيل إذا أراد أن يتصدق، وإشارته على كعب بن مالك بيده في إسقاط النصف من دينه على ابن أبي حدرد، وتعجبه بنظره وهيئة وجهه من العباس إذ احتمل المال الكثير دون أن يكون منه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلام، وضربه صلى الله عليه وسلم بعود في يده بين الماء والطين في حديث أبي موسى، ومثل هذا كثير جدا.
فلم يكن له صلى الله عليه وسلم هيئة ولا حال يوجب حكما من كراهة أو نهي أو إباحة أو ندب أو أمر، إلا وقد نقلت إلينا، لان كل ذلك مما بين به صلى الله عليه وسلم مراد ربه تعالى، ولو كتموا ذلك عنا لما بلغوا كما لزمهم، ولو اقتصروا على تبليغ بعض ذلك دون بعض لدخلوا في جملة من يكتم العلم، ولسقطت عدالتهم بذلك، وقد نزههم الله تعالى عن هذا وحفظ دينه، وقضى بتبليغه إلينا جيلا بعد جيل إلى أن يأتي بعض آيات ربك: * (يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) *.
وقد علموا رضي الله عنهم أن فتاويهم لا تلزمنا، وإنما يلزمنا قبول ما نقلوا إلينا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد خالف بعض التابعين الصحابة بحضرتهم، فما أنكر الصحابة عليهم ذلك، كما أنكروا عليهم مخالفة ما رووه، كفعل ابن عمر في ابنه، إذ روى حديث الخذف، وحديث النهي عن منع النساء إلى المساجد، فقال ابنه: لا تفعل ذلك، فأنكر ابن عمر ذلك إنكارا شديدا وكان لا ينكر على من خالفه في فتياه.
(٨٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 821 822 823 824 825 826 827 828 829 830 831 ... » »»
الفهرست