الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٨٦٥
أو تركه، فأما الذي عمل بحديث صحيح وهو يعتقد فيه أنه غير صحيح، فإنه مقدم على ما يرى أنه باطل فهو عاص لله تعالى بنيته في ذلك، فإن تركه وهو عنده غير صحيح، ولم تقم الحجة عليه بصحته، فهو محسن مأجور، ولا شئ عليه، لأنه لم يبلغه بعد ما يلزمه اتباعه.
وأما من صح عنده الخبر فتركه، فإنه لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون مقدما مستجيزا لخلاف ما صح عنده عن الله تعالى وعن نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا فاسق في هذه النية عاص لله عز وجل ولا إثم عليه في نفس عمله بما وافق الحق، فهذا قسم.
وقسم ثان وهو أن يستحل خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر مشرك، لقول الله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *.
ثم وجهان آخران: وهما عكس اللذين قبلهما، وهما: من بلغه حديث غير صحيح فظنه صحيحا فعمل به، فهذا مأجور على نيته واجتهاده أجرا واحدا، ولا إثم عليه فيما خالف فيه الحق، لأنه لم يقصد، والأعمال بالنيات فلو تركه عمدا لكان متسهلا لخلاف ما صح عنده عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو عاص لله تعالى بهذه النية فقط، آثما فيها، فإن لم يكن مستسهلا لذلك لكن اتفق له ترك العمل بذلك. فلا إثم عليه، لأنه لم يترك حقا وهذا حكم من أفتاه فقيه بفتيا غير صحيحة. فإنها لا تلزمه، ولا هو مأمور بها. ولو كان عاصيا بترك العمل بها لكان مأمورا بها وهي باطل. فكان يكون مأمورا بالباطل.
وهذا خطأ متيقن. لكنه إن تركها مستسهلا لترك العمل بالواجب عليه، فهو عاص بهذه النية فقط لا بتركه للعمل بغير الواجب. وبالله تعالى التوفيق.
ومن أفتى آخر بفتيا صحيحة إلا أنه لم يأته عليها بدليل، فإنه إن عمل بها مقلدا فهو آثم في تقليده مأجور - إن شاء الله تعالى - بعمله بها إن أراد الله تعالى.
ثم وجهان: وهما: من بلغه نص مخصوص فعمل به على عمومه، ولم يبلغه الخصوص، وترك العمل بعمومه، فوافق الحق وهو لا يعلمه، أو بلغه نص عام فتأول فيه الخصوص.
(٨٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 860 861 862 863 864 865 866 867 868 869 870 ... » »»
الفهرست