أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٢
أن نفي المبالغة، لا يستلزم نفي الفعل من أصله.
فقولك مثلا: زيد ليس بقتال للرجال لا ينفي إلا مبالغته في قتلهم، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.
ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة، في الآيات المذكورة هو نفي الظلم من أصله.
والجواب عن هذا الإشكال من أربعة أوجه:
الأول: أن نفي صيغة المبالغة في الآيات المذكورة، قد بينت آيات كثيرة، أن المراد به نفي الظلم من أصله.
ونفي صيغة المبالغة، إذا دلت أدلة منفصلة على أن يراد به نفي أصل الفعل، فلا إشكال لقيام الدليل على المراد.
والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة، كقوله تعالى: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) *. وقوله تعالى: * (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولاكن الناس أنفسهم يظلمون) *. وقوله تعالى: * (ولا يظلم ربك أحدا) *. وقوله تعالى: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) *. إلى غير ذلك من الآيات كما قدمنا إيضاحه في سورة الكهف والأنبياء. الوجه الثاني: أن الله جل وعلا نفى ظلمه للعبيد، والعبيد في غاية الكثرة.
والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد، المنفي عنهم الظلم، إذ لو وقع على كل عبد ظلم ولو قليلا، كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة، كما ترى.
وبذلك تعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم، عن كل عبد من أولئك العبيد، الذين هم في غاية الكثرة، سبحانه وتعالى عن أن يظلم أحدا شيئا، كما بينته الآيات القرآنية المذكورة.
وفي الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي) الحديث.
الوجه الثالث: أن المسوغ لصيغة المبالغة، أن عذابه تعالى بالغ من العظم والشدة، أنه لولا استحقاق المعذبين لذلك العذاب بكفرهم، ومعاصيهم لكان معذبهم به ظلاما بليغ
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»