أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٠
بعرفة، وقبل التحلل: أفسد عند الثلاثة، خلافا لأبي حنيفة كما تقدم إيضاحه قريبا.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في الجماع، فاعلم أنهم متفقون على أن مقدمات الجماع كالقبلة، والمفاخذة، واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم.
ولكنهم اختلفوا فيما يلزمه لو فعل شيئا من ذلك: فمذهب مالك وأصحابه: أن كل تلذذ بمباشرة المرأة من قبلة، أو غيرها، إذا حصل معه إنزال أفسد الحج. وقد بينا قريبا ما يلزم من أفسد حجه حتى إنه لو أدام النظر بقصد اللذة فأنزل: فسد عند مالك حجه ولو أنزل بسبب النظرة الأولى من غير إدامة: لم يفسد حجه عند مالك، وعليه الهدي. أما إذا تلذذ بالمرأة بما دون الجماع، ولم ينزل فإن كان بتقبيل الفم: فعليه هدي، والقبلة حرام على المحرم مطلقا عند مالك، وأما إن كان بغير القبلة كاللمس باليد، فهو ممنوع إن قصد به اللذة، وإن لم يقصدها به، فليس بممنوع، ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة وإنما عليه الإثم إلا إذا حصل بسببه مذي فيلزم فيه الهدي ومحل هذا عندهم في غير الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة ففيها الهدي.
فتحصيل: أن مذهب مالك فساد الحج بمقدمات الجماع، إن أنزل، وإن لم ينزل ففي القبلة خاصة مطلقا: هدي وكذلك كل تلذذ خرج بسببه مذي، وكذلك الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة وما عدا ذلك من التلذذ، فليس فيه إلا التوبة والاستغفار، ولا يفسد الحج عنده إلا بالجماع، أو الإنزال. ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن التلذذ بما دون الجماع كالقبلة، واللمس بشهوة، والمفاخذة ونحو ذلك: يلزم بسببه دم، وسواء عنده في ذلك أنزل أو لم ينزل، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أمنى، فلا شيء عليه عند أبي حنيفة.
ومذهب الشافعي رحمه الله: هو أنه إن باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة: أن عليه فدية الأذى والاستمناء عنده كالمباشرة فيما دون الفرج. وصحح بعض الشافعية: أن عليه شاة، ولو ردد النظر إلى امرأته، حتى أمنى، فلا شيء عليه عند الشافعي. ومذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه إن وطئ فيما دون الفرج، ولم ينزل: فعليه دم، وإن أنزل: فعليه بدنة. وفي فساد حجه روايتان:
إحداهما: أنه إن أنزل فسد حجه، وعليه بدنة وبها جزم الخرقي.
وقال في المغني: في هذه الرواية اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»