يتهمونه بالوقف، وقد رأيت قول من نفى عنه التهمة، وقول من ناظره أنه قال له: لم أقل على الشك. ولكني سكت كما سكت القوم قبلي، ومعنى كلامه: أنه لا يشك في أن القرآن غير مخلوق، ولكنه يقتدي بمن لم يخض في ذلك، ولما حكى الذهبي في الميزان قول الساجي: إنهم تركوا الأخذ عنه لمكان الوقف، قال بعده ما نصه: قلت: قل من ترك الأخذ عنه ا ه، وهو تصريح منه بأن الأكثرين على قبوله فحديثه لا يقل عن درجة الحسن، وروايته عند أبي داود الذي وثقه تعتضد بالرواية المذكورة قبلها، وقول ابن جريج فيها: بلغني عن صفية بنت شيبة تفسره الرواية الثانية التي بين فيها ابن جريج: أن من بلغه عن صفية المذكورة: هو عبد الحميد بن جبير بن شيبة، وهو ثقة معروف.
فإن قيل: ابن جريج روى عنه بالعنعنة، وهو مدلس، والرواية بالعنعنة لا تقبل من المدلس بل لا بد من تصريحه، بما يدل على السماع.
والجواب: أنا قدمنا أن مشهور مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد هو الاحتجاج بالمرسل، ومن يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس، من باب أولى كما نبه عليه غير واحد من الأصوليين.
وقد قدمنا موضحا مرارا في هذا الكتاب المبارك مع اعتضاد هذه الرواية بالأخرى واعتضادها بغيرها.
قال الزيلعي في نصب الراية: بعد ذكره كلام ابن القطان في تضعيف حديث ابن عباس المذكور في تقصير النساء، وعدم حلقهن الذي ناقشنا تضعيفه له كما رأيت ما نصه: وأخرجه الدارقطني في سننه والطبراني في معجمه، عن أبي بكر بن عياش، من يعقوب بن عطاء، عن صفية بنت شيبة به، وأخرجه الدارقطني أيضا، والبزار في مسنده، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن صفية به. وقال البزار: لا نعلمه يروي عن ابن عباس، إلا من هذا الوجه انتهى، وأخرجه الدارقطني في سننه، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر قال في المحرمة: تأخذ من شعرها قدر السبابة. انتهى، وليث هذا الظاهر أنه ابن أبي سليم، وهو ضعيف. انتهى من نصب الراية.
فتبين من جميع ما ذكر: أن حديث ابن عباس في أن على النساء المحرمات إذا أردن قضاء التفث التقصير، لا الحلق أنه لا يقل عن درجة الحسن، كما جزم النووي بأن إسناده عند أبي داود حسن وقد رأيت اعتضاده، بما ذكرنا من الروايات المتابعة له بواسطة نقل