تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٣٥
بعدما ذكر من السماء أشد خلقا فيكون وزان قوله تعالى: * (دحاها) * الخ وزان قوله تعالى: * (بناها) * الخ وحينئذ فلا يكون بعد ذلك مشعرا بتأخر دحو الأرض عن بناء السماء وقوله تعالى:
* (مت‍اعا لكم ولانع‍امكم) * * (متاعا لكم ولانعامكم) * قيل مفعول له أي فعل ذلك تمتيعا لكم ولأنعامكم لأن فائدة ما ذكر من الدحو إخراج الماء والمرعى واصلة إليهم ولأنعامهم فإن المرعى كما سمعت مجاز عما يأكله الإنسان وغيره وقيل مصدر مؤكد لفعله المضمر أي متعكم بذلك مختاعا أو مصدر من غير لفظه فإن قوله تعالى: * (أخرج منها ماءها ومرعاها) * في معنى متع بذلك وأورد على الأول أن الخطاب لمنكري البعث والمقصود هو تمتيع المؤمنين فلا يلائم جعل تمتيع الآخرين كالغرض فالأولى ما بعده وأجيب بأن خطاب المشافهة وإن كان خاصا بالحاضرين إلا أن حكمه عام كما تقرر في الأصول فالمآل إلى تمتيع الجنس وأيضا على المصدرية بفعله المقدر لا يدفع المحذور لكونه استئنافا لبيان المقصود ولا يخفى أن كون المقصود هو تمتيع المؤمنين محل بحث وقوله سبحانه:
* (فإذا جآءت الطآمة الكبرى) * * (فإذا جاءت الطامة الكبرى) * الخ شروع في بيان معادهم أثر بيان أحوال معاشهم بقوله عز وجل متاعا الخ والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها على ما قيل كما ينبىء عنه لفظ المتاع والطامة أعظم الدواهي لأنه من طم بمعنى علا كما ورد في المثل جرى الوادي فطم على القرى وجاء السيل فطم الركي وعلوها على الدواهي غلبتها عليها فيرجع لما ذكر قيل فوصفها بالكبرى للتأكيد ولو فسرها كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لا يقدرون على دفعها لكان الوصف مخصصا وقيل كونها طامة باعتبار أنها تغلب وتفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا وكونها كبرى باعتبار أنها أعظم من جميع الدواهي مطلقا وقيل غير ذلك وأنت تعلم أن الطامة الكبرى صارت كالعلم للقيامة وروى كونها اسما من أسمائها هنا عن ابن عباس أيضا وعن الحسن أنها النفخة الثانية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن القاسم بن الوليد الهمداني أنها الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وأخرجا عن عمرو بن قيس الكندي أنها ساعة يساق أهل النار إلى النار وفي معناه قول مجاهد هي إذا دفعوا إلى مالك خازن جهنم.
* (يوم يتذكر الإنس‍ان ما سعى) * * (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) * بدل كل أو بعض من إذا جاءت على ما قلي وقيل بدل من الطامة الكبرى فيكون مرفوع المحل وفتح لإضافته إلى الفعل على رأي الكوفيين وتكون الطامة حقيقة التذكر والبروز لأن حسن العمل يغلب كل لذة وسواه كل مشقة وكذا بروز الجحيم مع الابتلاء به يغلب كل مشقة ومع النجاة عنه كل لذة ولا يخفى تعسفه وقيل ظرف لجاءت وعليه الطبرسي واستظهر أنه منصوب باعني تفسيرا للطامة الكبرى وما موصولة وسعى بمعنى عمل والعائد مقدر أي له والمراد يوم يتذكر كل أحد ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونا في صحيفته وقد كان نسبه من فرط الغفلة أو طول الأمد أو شدة ما لقي أو كثرته التي تعجز الحافظ عن الضبط لقوله تعالى: * (أحصاه الله) * ونسوه ويمكن أن يكون تذكره بوجه آخر وجوز أن تكون ما مصدرية أي يتذكر فيه سعيه.
* (وبرزت الجحيم لمن يرى) * * (وبرزت الجحيم) * عطف على جاءت وقيل على يتذكر وقيل حال من الإنسان بتقدير قد أو بدونه والموصول بعد مغن عن العائد وكلا القولين على ما في الإرشاد على تقدير الجواب يتذكر الإنسان ونحوه وسيأتي إن شاء الله تعالى فلا تغفل ومعنى برزت أظهرت إظهارا بينا لا يخفى على أحد * (لمن يرى) * كائنا من كان يروى أنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر وخص بعض من بالكافر وليس بشيء وقرأت عائشة وزيد بن علي عكرمة ومالك بن دينار وبرزت مبنيا للفاعل مخففا لمن ترى بالتاء الفوقية على أن فيه ضمير جهنم كما في قوله تعالى: * (إذا رأتهم من مكان بعيد) * وإسناد الرؤية لها مجازا وهو حقيقة على أن يخلق الله تعالى ذلك فيها ويجوز
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»