* (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات وجاء في الحديث أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي وثلاثا حين يصبح كفته من كل شيء وفي فضلهما أخبار كثيرة غير ما ذكر وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما أخرج الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه أنهما ليستا من كتاب الله تعالى إنماأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما قال البزار لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف وأخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال أما والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال قيل لي قل فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين في " إعجاز القرآن " قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الإعجاز لتميز به عن غير القرآن فلم يختلف في كونه منه وأنت تعلم أنه قد وقع الإجماع على قرآنيتهما وقالوا إن إنكار ذلك اليوم كفر ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك وفي شرح المواقف أن اختلاف الصحابة في بعض سور القرآن مروي بالآحاد المفيدة للظن ومجموع القرآن منقول بالتواتر المفيد لليقين الذين يضمحل الظن في مقابلته فتلك الآحاد مما لا يلتفت إليه ثم إن سلمنا اختلافهم فيما ذكر قلنا إنهم لم يختلفوا في نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ولا في بلوغه في البلاغة حد الإعجاز بل في مجرد كونه من القرآن وذلك لا يضر فيما نحن بصدده انتهى وعكس هذا القول في السورتين المذكورتين قيل في سورتي الخلع والحفد وفي ألفاظهما روايات منها ما يقنت به الحنفية فقد روى أنهما في مصحف أبي بن كعب وفي مصحف ابن عباس وفي مصحف ابن مسعود فهما إن صح أنهما كلام الله تعالى منسوخا التلاوة وليسا من القرآن كما لا يخفى.
* (قل أعوذ برب الفلق) *.
* (قل أعوذ) * أي ألتجيء وأعتصم وأتحرز * (برب الفلق) * فعل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص من فلق شق وفرق وهو يعم جميع الموجودات الممكنة فإنه تعالى فلق بنور الإيجاد عنها سيما ما يخرج من أصل كالعيون من الجبال والأمطار من السحاب والنبات من الأرض والأولاد من الأرحام وخص عرفا بالصبح وإطلاقهم المفلوق عليه مع قولهم فلق الله تعالى الليل عن الصبح على نحو إطلاق المسلوخ على الشاة مع قولهم سلخت الجلد من الشاة وتفسيره بالمعنى العام أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ولفظه الفلق الخلق وأخرج الطستي عنه أنه فسره بالصبح وأنشد رضي الله تعالى عنه قول زهير: الفارج الهم مسد ولا عساكره * كما يفرج غم الظلمة الفلق وهو مروي عن جابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد وعليه فتعليق العياذ باسم الرب المضاف إلى الفلق المنبىء عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة بإعاذة العائذ مما يعوذ منه وانجائه