تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١٥٦
النوع الغير المخل بمقامك من الترك لم يكن فضلا عما زعموه من الترك المخل بعزيز مقامك وعندي أن الظاهر أن ذلك القول بأي معنى كان صادر على سبيل التهكم إذا كان المراد بالرب هو الله عز وجل وكان القائل من المشركين كما لا يخفى على المتأمل وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ما ودعك بالتخفيف وهي على ما قال ابن جني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وخرجت على أن ودع مخفف ودع ومعناه معناه قال في " القاموس " ودعه كوضعه وودع بمعنى وقيل ليس بمخففة بل هو فعل برأسه بمعنى ترك وأنه يعكر على قول النحاة أماتت العرب ماضي يدع ويذر ومصدرهما واسم فاعلهما واسم مفعولهما واستغنوا بما ليترك من ذلك وفي المغرب أن النحاة زعموا أن العرب أماتت ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم أفصحهم وقد قال عليه الصلاة والسلام لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات وقرأ ما ودعك وقال أبو الأسود: ليت شعري عن خليلي ما الذي * غاله في الحب حتى ودعه ومثله قول آخر: وثم ودعنا إل عمرو وعامر * فرائس أطراف المثقفة السمر وهو دليل أيضا على استعمال ودع وهو بمعنى ترك المتعلق بمفعولين فلا تغفل وفي الحديث اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم وفي المستوفي أن كل ذلك قد ورد في كلام العرب ولا عبرة بكلام النحاة وإذا جاء نهر الله بطن نهر معقل نعم وروده نادر وقال الطيبي بعد أن ذكر ورود نظما ونثرا إنما حسن هذه القراءة الموافقة بين الكلمتين يعني هذه وما بعدها كما في حديث الترك والحبشة لأن رد العجز على الصدر وصنعة الترصيع قد جبرا منه وقيل إن القائلين إنما قالوا ودعه ربه بالتخفيف فنزلت فيكون المحسن له قصد المشاكلة لما قالوه وهم تكلموا بغير المعروف طيرة منهم كان غير المعروف من اللفظ مما يتشاءم به من الفأل الرديء أو أنهم لما قصدوا السخرية حسن استعمال اللفظ وقد قالوا يحسن استعمال الألفاظ الغريبة ونحوها في الهجاء فلا يبعد أن يكون في السخرية كذلك والحق أنه بعد ثبوت وروده لا يحتاج إلى تكلف محسن له والظاهر أن المراد بالرب هو الله عز وجل وفي التعبير عنه بعنوان الربوبية وإضافته إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من اللطف ما لا يخفى فكأنه قيل ما تركك المتكفل بمصلحتك والمبلغ لك على سبيل التدريج كمالك اللائق بك * (وما قلى) * أي وما أبغضك وحذف المفعول لئلا يواجه عليه الصلاة والسلام بنسبة القلى وإن كانت في كلام منفي لطفا به صلى الله عليه وسلم وشفقة عليه عليه الصلاة والسلام أو لنفي صدوره عنه عز وجل بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم ولأحد من أصحابه ومن أحبه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة أو للاستغناء عنه بذكره من قبل مع أن فيه مراعاة للفواصل واللغة المشهورة في مضارع قلى يقلي كيرمي وطيىء تقول يقل بفتح العين كيرضى وتفير القلى بالبغض شائع وفي القاموس من الواوي قلا زيدا قلا وقلاه أبغضه ومن اليائي قلاه كرماه ورضيه قلى وقلاء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقليه في البغض وفي مفرد ات الراغب القلي شدة البغض يقال قلاه يقلوه ويقليه فمن جعله من الواوي فهو من القلو أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قالوا وقلوت بالقلة فكان المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ومن جعله من اليائي فمن قليت اليسر والسويق على المقلاة انتهى وبينهما مخالفة لا تخفى وعلى اعتبار شدة البغض فالظاهر أن ذلك في الآية ليس إلا لأنه الواقع في كلامهم قال المفسرون أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد قلاه ربه وودعه فأنزل الله تعالى ذلك وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال لما نزلت * (تبت يدا أبي لهب) * الخ قيل لامرأة أبي لهب أم جميل أن محمدا صلى الله عليه
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»