تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ١١٠
فلا يضر الاحتمال وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بد من نكتة ليدعى وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه والانصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء وعن علي كرم الله تعالى وجهه تزكى أي تصدق صدقة الفطر وذكر اسم ربه كبر يوم العيد فصلى صلاة العيد وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطرد ومنه فلا صدق ولا صلى على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة ههنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولا ينبغي تقديمها فعلا على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول بمكيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله وأقول يجوز أن يقال تزكى أي تطهر من الشرك بأن آمن من بقلبه وذكر اسم ربه أي قال لا إله إلا الله فصلي أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون تزكى إشارة إلى التصديق بالجنان وذكر اسم ربه إلى النطق باللسان وصل إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جمع الأعمال البدنية والعبادات القالبية وقد يقال اقتصر على ذكر الصلاة لأن الفرائض والواجبات البدنية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أهم ما نزل إن كان نزل غيرها وقد روى عطاء عن ابن عباس ويزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن إن أول ما نزل من القرآن بمكة * (اقرأ باسم ربك) * ثم * (ن) * ثم * (المزمل) * ثم * (المدثر) * ثم * (تبت) * ثم * (إذا الشمس كورت) * ثم * (سبح اسم ربك) * ثم إن من رادف لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان ذكر الله تعالى المطلوب هو مجموع الجملتين فلا بعد في أن يراد من ذكره تعالى في الآية وإذا اعتبر الاتيان باسمه عز وجل في الجملة الثانية على الوجه الذي أتى به ذكرا له تعالى كان أمر الإرادة أقرب وهذا الوجه لا يخلو عن حسن وكلمة قد لما أنه عند الاخبار بسوء حال المتجنب عن الذكر في الآخرة يتوقع السامع الاخبار بحسن حال المتذكر فيها ولا يبعد أن تكون الجملة مستأنفة استئنافا جوابا لسؤال نشأ عن بيان حال المتجنب والسكوت عن حال المتذكر الذي يخشى فكأنه قيل ما حال من تذكر فقيل قد أفلح إلى آخره وكان الظاهر قد أفلح من تذكر إلا أنه وضع من تزكى إلى آخره موضع من تذكر إشارة إلى بيان المتذكر بسماته وقوله تعالى:
* (بل تؤثرون الحيواة الدنيا) * * (بل تؤثرون الحيوة الدنيا) * إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح * (لا تفعلون ذلك بل تؤثرون) * الخ ولعله مراد من قال إنه إضراب عن * (قد أفلح) * الخ وقيل إضراب عن بيان حال المتذكر والمتجنب إلى بيان أنه لا ينفع هذا البيان وأضعافه المتمردين على وجه يتضمن بيان سبب عدم النفع وهو ايثار الحياة الدنيا والخطاب على هذا للكفرة الأشقين من أهل مكة وعلى الأول يحتمل أن يكون لهم فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضاء والاطمئنان بها والإعراض عن الآخرة بالكلية كما في قوله تعالى: * (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) * الآية ويحتمل أن يكون لجميع الناس على سبيل التغليب فالمراد بإيثارها ما هو أعم مما ذكر وما لا يخلو عنه الناس غالبا من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي وترتيب المبادىء وعن ابن مسعود ما يقتضيه والالتفات على الأول لتشديد التوبيخ وعلى الثاني كذلك في حق الكفرة ولتشديد العتاب في
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»