تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٢١
نظير قوله تعالى فلما رآه مستقرا عند إلا أن المقدر هناك أمر واقع مرتب على ما قبله بالفاء وههنا أمر منزل منزلة لواقع وارد على طريقة الاستئناف وقوله تعالى: * (زلفة) * حال من مفعول رأوه اما بتقدير المضاف أي ذا زلفة وقرب أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفا أو على أنه مصدر نعت به مبالغة أو ظرف أي رأوه في مكان ذي زلفة وفسر بعضهم الزلفة بالقريب والأمر عليه ظاهر وكذا على ما روى عن ابن زيد من تفسيره بالحاضر وقال الراغب الزلفة المنزلة والحظوة وما في الآية قيل معناه زلفة المؤمنين وقيل زلفة لهم واستعمل الزلفة في منزلة العذاب كما استعملت البشارة ونحوها من الألفاظ انتهى ولا زلفة في كلا القولين * (سيئت وجوه الذين كفروا) * سامتها رؤيته بأن غشيتها بسببها الكآبة ورهقها القتر والذلة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به وأشم أبو جعفر والحسن وأبو رجاء وشيبة وابن وثاب وطلحة وابن عامر ونافع والكسائي كسر سين سيئت الضم * (وقيل) * توبيخا لهم وتشديد العذاب بهم * (هذا الذي كنتم به تدعون) * أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكارا واستهزاء على أنه تفتعلون من الدعاء والباء صلة الفعل وقيل هو من الدعوى أي تدعون أن لا بعث ولا حشر فالباء سبية أو للملابسة باعتبار الذكر وأيد التفسير الأول بقراءة أبي رجاء والضحاك والحسن وقتادة وابن يسار وعبد الله بن مسلم وسلام ويعقوب تدعون بسكون الدال وهي قراءة ابن أبي عبلة وأبي زيد وعصمة عن أبي بكر والأصمعي عن نافع وذكر الزمخشري في سورة المعارج إن يدعون مخففا من قولهم دعابكذا إذا استدعاه وعن الفراء أنه من دعوت أدعو والمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون وتدعون الله تعالى بتعجيله يعني قولهم إن كان هذا هو الحق من عندك الخ وروى عن مجاهد أن الموعود عذاب يوم بدر وهو بعيد وأما ما قيل من أن الموعود الخسف والحاصب وقد وقعا لأن المراد بالخسف الذي كما في قوله: ولا يقيم على خسف يراد به * إلا الأذلان عير الحي والوتد وبالحاصب الحصي وقد رمى صلى الله عليه وسلم به في وجوههم كما في الخبر المشهور أو لم يقعا بناء على ما عرف أولا من المراد بهما ولا يضر ذلك إذ تخلف الوعيد لا ضير فيه فليس بشيء كما لا يخفى وكان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك فقال سبحانه له عليه الصلاة والسلام.
* (قل أرءيتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا فمن يجير الك‍افرين من عذاب أليم) * * (قل أرأيتم) * أي أروني كما هو المشهور وقد مر تحقيقه * (إن أهلكني الله ومن معي) * أي من المؤمنين * (أو رحمنا) * أي بالنصرة عليكم * (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) * أي فمن يجيركم من عذاب النار وأقيم الظاهر مقام المضمر المخاطب دلالة على أن موجب البوار محقق فأني لهم الإجارة والظاهر أن جواب الشرط والمعطوف عليه شيء واحد وحاصل المعنى لا مجير لكم من عذاب النار لكفركم الموجب له انقلبنا إلى رحمة الله تعالى بالهلاك كما تمنون لأن فيه الفوز بنعيم الآخرة أو بالنصرة عليكم والأدلة للإسلام كما نرجو لأن في ذلك الظفر بالبغيتين ويتضمن ذلك حثهم على طلب الخلاص بالايمان وأن فيما هم فيه شغلا شاغلا عن تمني هلاك النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين وهذا أوجه أوجه ثلاثة ذكرها الزمخشري ثانيها أن المعنى إن أهلكنا الله تعالى بالموت ونحن هداتكم والآخذون بحجزكم فمن يجيركم من النار وإن رحمنا بالغلبة عليكم وقتلكم عكس ما تمنون فمن يجيركم لأن المقتول على أيدينا هالك في الدنيا والآخرة وعلى هذا الجواب متعدد لتعدد موجبه ورجح الأول بأن فيه تسفيها لرأيهم لطلبهم ما هو سعادة أعدائهم ثم الحث على ما هو أحرى وهو الخلاص مما هم فيه من موجب الهلاك
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»