تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١٤٢
لفظ استمع فإذا ذهب قرأه كما وعد الله عز وجل فالخطاب في قوله تعالى:
* (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * * (لا تحرك به لسانك) * للنبي صلى الله عليه وسلم والضمير للقرآن لدلالة سياق الآية نحو انا أنزلناه في ليلة القدر أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي من قبل أن يقضى إليك وحيه * (لتعجل به) * أي لتأخذه على عجلة مخافة أي ينفلت منك على ما يقتضيه كلام الحبر وقيل لمزيد حبك له وحرصك على أداء الرسالة وروي عن الشعبي ولا ينافي ما ذكر والباء عليهما للتعدية.
* (إن علينا جمعه وقرءانه) * * (إن علينا جمعه) * في صدرك بحيث لا يذهب عليك شيء من معانيه * (وقرآنه) * أي إثبات قراءته في لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرآن هنا وكذا فيما بعد مصدر كالرجحان بمعنى القراءة كما في قوله: ضحوا باشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا مضاف إلى المفعول وثم مضاف مقدر وقيل قرآنه أي تاليفه والمعنى ان علينا جمعه أي حفظه في حياتك وتأليفه على لسانك وقيل قرآنه تأليفه وجمعه على أنه مصدر قرأت أي جمعت ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد ما قرأت سلى قط وقول عمرو بن كلثوم. ذراعي بكرة أدماء بكر * هجان اللون لم تقرأ جنينا ويراد من جمعه الأول جمعه في نفسه ووجوده الخارجي ومن قرآنه بهذا المعنى جمعه في ذهنه صلى الله عليه وسلم وكلا القولين لا يخفى حالهما وان نسب الأول إلى مجاهد.
* (فإذا قرأن‍اه فاتبع قرءانه) *.
* (فإذا قرأناه) * أن اتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام المبلغ عنافا فالاسناد مجازي وفي ذلك مع اختيار نون العظمة مبالغة في إيجاب التأتي * (فاتبع قرآنه) * فكن مقفيا له لا مباريا وقيل أي فإذا قرأناه فاتبع بذهنك وفكرك قرآنه أي فاستمع وأنصت وصح هذا من رواية الشيخين وغيرهما عن ابن عباس وعنه أيضا وعن قتادة والضحاك أي فاتبع في الأوامر والنواهي قرآنه وقيل اتبع قرآنه بالدرس على معنى كرره حتى يرسخ في ذهنك.
* (ثم إن علينا بيانه) * * (ثم إن علينا بيانه) * أي بيان ما أشكل عليك من معانيه وأحكامه على ما قيل واستدل به القاضي أبو الطيب ومن تابعه على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لمكان ثم وتعقب بأنه يجوز أن يراد بالبيان الاظهار لا بيان المجمل وقد صح من رواية الشيخين وجماعة عن الحبر انه قال في ذلك ثم ان علينا أن نبينه بلسانك وفي لفظ علينا أن تقرأه ويؤيد ذلك أن المرادبيان جميع القرآن والمجمل بعضه.
* (كلا بل تحبون العاجلة) * * (كلا) * ارشاد لرسوله صلى الله عليه وسلم وأخذ به عن عادة العجلة وترغيب له عليه الصلاة والسلام في الاناة وبالغ سبحانه في ذلك لمزيد حبه إياه باتباعه قوله تعالى:
* (وتذرون الاخرة) * * (بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) * تعميم الخطاب للكل كأنه قيل بل أنتم يا بني آدم لما خلقتم من عجل وجبلتم عليه تجعلون في كل شيء ولذا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ويتضمن استعجالك لأن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة وفيه أيضا أن الإنسان وان كان مجبولا على ذلك إلا أن مثله عليه الصلاة والسلام ممن هو في أعلى منصب النبوة لا ينبغى أن يستفزه مقتضى الطباع البشرية وأنه إذا نهى صلى الله عليه وسلم عن العجلة في طلب العلم والهدى فهؤلاء ودينهم حب العاجلة وطلب الردى كأنهم نزلوا منزلة من لا ينجع فيهم النهي فإنما يعابت الأديم ذو البشرة ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه: * (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) * فإنه ملوح إلى معنى بل تحبون الخ وقوله عز وجل لا تحرك الخ متوسط بين حبي العاجلة حبها الذي تضمنه بل يريد تلويحا وحبها الذي آذن به بل تحبون تصريحا لحسن التخلص منه إلى المفاجأة والتصريح ففي ذلك تدرج ومبالغة في التقريع والتدرج وان كان يحصل لو
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»