تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١٥
الفرد الخارجي وهو غير مذكور فيجوز كون ذلولا استعارة والمكنية حينئذ هي مدلول الضمير لا المصرح بها في " النظم الكريم " والمانع من الاستعارة ذكر المشبه بعينه لا بما يصدق عليه فتأمل ولا تغفل وفي " الكشاف " المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه لم يترك بقية من التذليل والمراد أنه ليس هنا أمر بالمشي حقيقة وإنما القصد به إلى جعله مثلا لفرط التذليل سواء كانت المناكب مفسرة بالجبال أو غيرها وسواء كان ما قبل استعارة أو تشبيها * (وكلوا من رزقه) * انتفعوا بما أنعم جل شأنه وكثيرا ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم وفي أنوار التنزيل أي التمسوا من نعم الله سبحانه وتعالى على أن الأكل مجاز عن الالتماس من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم قيل وهو المناسب لقوله تعالى امشوا وجوز بعض إبقاءه على ظاهره على أن ذلك من قبيل الاكتفاء وليس بذاك واستدل بالآية على ندب التسبب والكسب وفي الحديث أن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف وهذا لا ينافي التوكل بل أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرة قال مر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بقوم فقال: من أنتم فقالوا: المتوكلون قال: أنتم المتأكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل وتمام الكلام في هذا الفصل في محله والمشهور أن الأمر في الموضعين للإباحة وجوز كونه لمطلق الطلب لأن من المشي وما عطف عليه ما هو واجب كما لا يخفى * (وإليه النشور) * أي المرجع بعد البعث لا إلى غيره عز وجل فبالغوا في شكر نعمه التي منها تذليل الأرض وتمكينكم منها وبث الرزق فيها ومما يقضي منه العجب جواز عود ضمير رزقه على الأرض باعتبار أنها مبدأ أو عنصر من العناصر أو ذلول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث والإضافة لأدنى ملابسة أي من الرزق الذي خلق عليها وكذا ضمير إليه أي وإلى الأرض نشوركم ورجوعكم فتخرجون من بيوتكم وقصوركم إلى قبوركم وجملة إليه النشور قيل عطف على الصلة بعد ملاحظة ما ترتب عليها وقيل حال مقدرة من ضمير المخاطبين المرفوع فتدبر.
* (أءمنتم من فى السمآء أن يخسف بكم الارض فإذا هى تمور) * * (ءأمنتم من في السماء) * وهو الله عز وجل كما ذهب إليه غير واحد فقيل على تأويل من في السماء أمره سبحانه وقضاؤه يعني أنه من التجوز في الإسناد أو أن فيه مضافا مقدرا وأصله من في السماء أمره فلما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر وقيل على تقدير خالق من في السماء وقيل في بمعنى على ويراد العلو بالقهر والقدرة وقيل هو مبني على زعم العرب حيث كانوا يزعمون أنه سبحانه في السماء فكأنه قيل أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان وهذا في غاية السخافة فكيف يناسب بناء الكلام في مثل هذا المقام على زعم بعض زعم الجهلة كما لا يخفى على المنصف أو هو غيره عز شأنه وإليه ذهب بعضهم فقيل أريد بالموصول الملائكة عليهم السلام الموكلون بتدبير هذا العالم وقيل جبريل عليه السلام وهو الملك الموكل بالخسف وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره تعالى والآية عندهم من المتشابه وقد قال صلى الله عليه وسلم: آمنوا بمتشابهه ولم يقل أولوه فهم مؤمنون بأنه عز وجل في السماء على المعنى الذي أراده سبحانه مع كمال التنزيه وحديث الجارية من أقوى الأدلة لهم في هذا الباب وتأويله بما أول به الخلف خروج عن دائرة الإنصاف عند أولي الألباب وفي " فتح الباري " للحافظ ابن حجر أسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفاق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه وهذه طريقة
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»