تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٩٢
على الاستعارة لأن الخلف يقتدي بالسلف فلما اقتدوا بهم في الكفر جعلوا كأنهم اقتدوا بهم في معلول الغضب وهو مصدر نعت به ولذا يصح إطلاقه على القليل والكثير، وقيل: جمع سالف كحارس وحرس وخادم وخدم وهذا يحتمل أن يراد بالجمع فيه ظاهره ويحتمل أن يراد به اسم الجمع فإن فعلا ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، والمشهور في جمعه أسلاف وجاء سلاف أيضا.
وقرأ أبو عبد الله. وأصحابه. وسعيد بن عياش. والأعمش. والأعرج. وطلحة. وحمزة والكسائي * (سلفا) * بضمتين جمع سليف كفريق لفظا ومعنى، سمع القاسم بن معن العرب تقول: مضى سليف من الناس يعنون فريقا، منهم وقيل: جمع سلف كصبر جمع صابر أو جمع سلف كجنب.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. ومجاهد. والأعرج. أيضا سلفا بضم ففتح إما على أنه أبدلت فيه ضمة اللام فتحة تخفيفا كما يقال في جدد بضم الدال جدد بفتحها أو على أنه جمع سلفة بمعنى الأمة والجماعة من الناس أي فجعلناهم أمة سلفت، والسلف بالضم فالفتح في غير هذا ولد القبح والجمع سلفان كصردان ويضم.
* (ومثلا للآخرين) * أي عظة لهم، والمراد بهم الكفار بعدهم، والجار متعلق على التنازع بسلفا ومثلا، ويجوز أن يراد بالمثل القصة العجيبة التي تسير مسير الأمثال؛ ومعنى كونهم مثلا للكفار أن يقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون، ويجوز تعلق الجار بالثاني وتعميم الآخرين بحيث يشمل المؤمنين، وكونهم قصة عجيبة للجميع ظاهر.
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) *.
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا) * الخ بيان لعناد قريش بالباطل والرد عليهم، فقد روي أن عبد الله بن الزبعري قبل إسلامه، قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعه يقول: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * (الأنبياء: 98) أليست النصارى يعبدون المسيح وأنت تقول كان نبيا وعبدا من عباد الله تعالى صالحا فإن كان في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ففرح قريش وضحكوا وارتفعت أصواتهم وذلك قوله تعالى: * (إذا قومك منه يصدون) * فالمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلا وحاجك بعبادة النصارى إياه إذا قومك من ذلك ولأجله يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وجدلا، والحجة لما كانت تسير مسير الأمثال شهرة قيل لها مثل أو المثل بمعنى المثال أي جعله مقياسا وشاهدا على إبطال قوله عليه الصلاة والسلام: إن آلهتهم من حصب جهنم، وجعل عيسى عليه السلام نفسه مثلا من باب " الحج عرفة ".
وقرأ أبو جعفر. والأعرج. والنخعي. وأبو رجاء. وابن وثاب. وابن عامر. ونافع. والكسائي * (يصدون) * بضم الصاد من الصدود، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، وأنكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذه القراءة وهو قبل بلوغه تواترها، والمعنى عليها إذا قومك من أجل ذلك يعرضون عن الحق بالجدل بحجة داحضة واهية، وقيل: المراد يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض.
وقال الكسائي. والفراء: يصدون بالكسر ويصدون بالضم لغتان بمعنى واحد مثل يعرشون ويعرشون ومعناهما يضجون، وجوز أن يكون يعرضون.
* (وقالوا ءأالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) *.
* (وقالوا) * تمهيدا لما بنوا عليه من الباطل المموه مما يغتر به السفهاء * (ءالهتنا خير أم هو) * أي ظاهر عندك أن عيسى عليه السلام خير من آلهتنا فحيث كان هو في النار فلا بأس بكونها وأيانا فيها، وحقق الكوفيون الهمزتين همزة الاستفهام والهمزة الأصلية؛ وسهل باقي السبعة الثانية بين بين،
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»