بدل من جلمة * (كم أهلكنا) * على المعنى كما نقل عن سيبويه وتبعه الزجاج أي ألم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم وكونهم غير راجعين إليهم.
وقيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ولا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم وأنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي: وأفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة اهلاك تجوزا، وعندي أن هذا الوجه وإن لم يكن فيه إبدال مغرد من جملة وتحقق فيه مصحح البدلية على ما مسعت ولا يخلو عن تكلف، وسيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتباعه.
وقال السيرافي: يجوز أن يجعل * (أنهم) * الخ صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم لا يرجعون أي بهذا الضرب من الهلاك، وجوز ابن هشام في المغنى أن يكون أن وصلتها معمول * (يروا) * وجملة * (كم أهلكنا) * معترضة بينهما وأن يكون معلقا عن * (كم أهلكنا) * وأنهم إليهم لا يرجعون مفعولا لأجله، قال الشمني: ليروا والمعنى أنهم علموا لأجل أنهم لا يرجعون اهلاكهم. ورد بأنه لا فائدة يعتد بها فيما ذكر من المعنى. وتعقبه الخفاجي بقوله: لا يخفى أن ما ذكر وارد على البدلية أيضا، والظاهر أن المقصود من ذكره إما التهكم بهم وتحميقهم وإما إفادة ما يفيد تقديم * (إليهم) * من الحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكدا له اه وهو كما ترى، وقال الجلبي: لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى * (كم) * وثانيهما للرسل وان وصلتها مفعولا لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار * (لا يرجعون) * على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضميران على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول لمعنى * (كم) * والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لاهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حق ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل * (يروا) * في * (كم أهلكنا) * وفي * (أنهم) * الخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.
وزعم ابن عطية أن أن وصلتها بدل من * (كم) * ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول * (أهلكنا) * كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من * (كم أهلكنا) * على المعنى كما حكى عن سيبويه، وأما جعل * (كم) * معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صاعة العربية أن * (انهم) * الخ معمول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل * (أهلكنا) * على ما قال الغفجاي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك.
وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به، وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في * (أنهم) * عائدا على من أسند إليه يروا وفي * (إليهم) * عائدا على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين ينسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم والاهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، ويحسن هذا على الوجه المحكى عن السيرافي. وقرأ ابن عباس. والحسن * (إنه) * بكسر الهمزة على الاستئناف وقطع الجملة عما قبلها من جهة الإعراب. وقرأ عبد الله * (ألم يروا من أهلكنا فإنهم) * الخ على قراءة الفتح بدل اشتمال، ورد بالآية على القائلين بالرجعة كما ذهب إليه الشيعة.