هذا الفلك التاسع بما فيه من الكرات مركوزا في ثخن كرة أخرى عظيمة ويكون في ثخن تلك الكرة ألف ألف كرة مثل هذه الكرات وليس ذلك مستبعدا فإن تدوير المريخ أعظم من ممثل الشمس فإذا عقل ذلك فأي بأس بأن يفرض مثله مما هو أعظم منه ويجوز أيضا كما قيل أن تكون الأفلاك الكلية ثمانية لإمكان كون جميع الثوابت مركوزة في محدب ممثل زحل أي في متممه الحاوي على أن يتحرك بالحركة البطيئة والفلك الثامن يتحرك بالحركة السريعة بل قيل من الجائز أن تكون سبعة بأن تفرض الثوابت ودوائر البروج على محدب ممثل زحل ونفسان تتصل إحداهما بمجموع السبعة وتحركها إحدى الحركتين السريعة والبطيئة والأخرى بالفلك السابع وتحركه الأخرى فلا قاطع أيضا على نفي أن تكون الأفلاك أقل من تسعة.
ثم الظاهر من الآية أن كلا من الشمس والقمر يجري في ثخن فلكه ولا مانع منه عقلا ودليل امتناع الخرق والالتئام وهو أنه لو كان الفلك قابلا لذلك لكان قابلا للحركة المستقيمة وهي محال عليه غير تام وعلى فرض تمامه إنما يتم في المحدد على أنه يجوز أن يحصل الخرق في الفلك من جهة بعض أجزائه على الاستدارة فلا مانع من أن يقال: الكواكب مطلقا متحركة فى أفلاكها حركة الحيتان في الماء ولا يبطل به علم الهيئة لأن حركاتها يلزم أن تكون متشابهة حول مراكز أفلاكها أي لا تسرع ولا تبطىء ولا تقف ولا ترجع ولا تنعطف، وقول السهروردي في المطارحات: لو كانت الأفلاك قابلة للخرق وقد برهن على كونها ذات حياة فعند حصول الخرق فيها وتبدد الأجزاء فإن لم تحس فليس جزؤها المنخرق له نسبة إلى الآخر بجامع إدراكي ولا خبر لها عن أجزائها وما سرى لنفسها قوة في بدنها جامعة لتلك الأجزاء فلا علاقة لنفسها مع بدنها، وقد قيل إنها ذات حياة وإن كانت تحس فلا بد من التألم بتبديد الأجزاء فإنه شعور بالمنافي وكل شعور بالمنافي إما ألم أو موجب لألم وإذا كان كذا وكانت الكواكب تخرقها بجريها كانت في عذاب دائم، وسنبرهن على أن الأمور الدائمة غير الممكن الأشرف لا يتصور عليها لا يخفى أنه من الخطابيات بل مما هو أدون منها.
وزعم بعضهم أنه من البراهين القوية مما لا برهان عليه من الراهين الضعيفة، وادعى الإمام أنها كما تدل على جري الكوكب تدل على سكون الفلك، والحق أنها مجملة بالنسبة إلى السكون غير ظاهرة فيه، وإلى حركته وسكون الفلك بأسره ذهب بعض المسلمين ويحكي عن الشيخ الأكبر قدس سره، ويجوز أن يكون الفلك متحركا والكوكب يتحرك فيه إما مخالفا لجهة حركته أو موافقا لها إما بحركة مساوية في السرعة والبطء لحركة الفلك أو مخالفة، ويجوز أيضا أن يكون الكوكب مغروزا في الفلك ساكنا فيه كما هو عند أكثر الفلاسفة أو متحركا على نفسه كما هو عند محققيهم والفكل بأسره متحركا وهو الذي أوجبه الفلاسفة لما لا يسلم لهم ولا يتم عليه برهان منهم.
ويجوز أيضا أن يكون الكوكب في جسم منفصل عن ثحن الفلك شبيه بحلقة قطره مساو لقطر الكوكب وهو الذي يتحرك به ويكون الفلك ساكنا، ويجوز أيضا أن يكون في ثخن الفلك خلاء يدور الكوكب فبه مع سكون الفلك أو حركته وليس في هذا قول بالخرق والالتئام بل فيه القول بالخلاء وهو عندنا وعند أكثر الفلاسفة جائزة خلافا لأرسطا طاليس وأتباعه، ودليل الجواز أقوى من صخرة ملساء، والقول بأن الفلك بسيط فبساطته مانعة من أن يكون في ثخنه ذلك ليس بشيء فما ذكروه من الدليل على البساطة على ضعفه لا يتأتى إلا في المحدد دون سائر الأفلاك، وأيضا متى جاز أن يكون الفلك مجوفا مع بساطته فليجز ما ذكر معها ولا يكاد يتم لهم