تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٩٥
السورة الكريمة * (ثم يميتكم) * عند مجىء آجالكم * (ثم يحييكم) * عند البعث * (إن الإنسان لكفور) * أي جحود بالنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده، وقيل المراد بالإنسان الكافر وروي ذلك عن ابن عباس. ومجاهد، وعن ابن عباس أيضا أنه قال: هو الأسود بن عبد الأسد. وأبو جهل. وأبي بن خلف ولعل ذلك على طريق التمثيل.
* (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ين‍ازعنك فى الامر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم) *.
* (لكل أمة) * كلام مستأنف جىء به لزجر معاصريه عليه الصلاة والسلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته عليه الصلاة والسلام ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية * (جعلنا) * وضعنا وعينا * (منسكا) * أي شريعة خاصة، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر لا لأمة أخرى منهم، والكلام نظير قولك لكل من فاطمة وزينب وهند وحفصة أعطيت ثوبا خاصا إذا كنت أعطيت فاطمة ثوبا أحمر وزينب ثوبا أصفر وهندا ثوبا أسود وحفصة ثوبا أبيض فإنه بمعنى لفاطمة أعطيت ثوبا أحمر لا لأخرى من أخواتها ولزينب أعطيت ثوبا أصفر لا لأخرى منهن وهكذا، وحاصل المعنى هنا عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا، وقوله تعالى: * (هم ناسكوه) * صفة لمنسكا مؤكدة للقصر، والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أي تلك الأمة المعينة ناسكون به وعاملون لا أمة أخرى؛ فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام منسكهم ما في التوراة هم عاملون به لا غيرهم، وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم ما في القرآن ليس إلا، والفاء في قوله سبحانه: * (فلا ينازعنك في الأمر) * أي أمر الدين لترتيب النهي على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتها أمته عليه الصلاة والسلام شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم ما عين لها موجب لطاعة هؤلاء له صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم مما في التوراة والإنجيل فإن ذلك شريعة لمن مضى قبل انتساخه وهؤلاء أمة مستقلة شريعتهم ما في القرآن فحسب، والظاهر أن المراد نهيهم حقيقة عن النزاع في ذلك.
واختار بعضهم كونه كناية عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى نزاعهم المبني على زعمهم المذكور لأنه أنسب بقوله تعالى الآتي * (وادع) * الخ، وأمر الأنسبية عليه ظاهر إلا أنه في نفسه خلاف الظاهر، وقال الزجاج: هو نهي له عليه الصلاة والسلام عن منازعتهم كما تقول: لا يضاربنك زيد أي لا تضاربنه وذلك بطريق الكناية، وهذا إنما يجوز على ما قيل وبحث فيه في باب المفاعلة للتلازم فلا يجوز في مثل لا يضربنك زيد أن تريد لا تضربنه.
وتعقب بأنه لا يساعده المقام. وقرىء * (فلا ينازعنك) * بالنون الخفيفة. وقرأ أبو مجلز. ولاحق بن حميد * (فلا ينزعنك) * بكسر الزاي على أنه من النزع بمعنى الجذب كما في " البحر "، والمعنى كما قال ابن جني فلا يستخفنك عن دينك إلى أديانهم فتكون بصورة المنزوع عن شيء إلى غيره.
وفي " الكشاف " أن المعنى أثبت في دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه، والمراد زيادة
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»