تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣١٦
أن القول بذلك خلاف ما ورد في " الصحيح " مما سمعت والآية لا تكاد تساعده، وجوز أن يكون مفعولا اتخذ * (سبيله. وفي البحر) * وسربا حال من السبيل وليس بذاك، وقيل حال من فاعل اتخذ وهو بمعنى التصرف والجولان من قولهم فحل سارب أي مهمل يرعى حيث شاء، ومنه قوله تعالى: * (وسارب بالنهار) * وهو في تأويل الوصف أي اتخذ ذلك في البحر متصرفا، ولا يخفى أنه نظير سابقه.
* (فلما جاوزا قال لفت‍اه ءاتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا ه‍اذا نصبا) * * (فلما جاوزا) * أي ما فيه المقصد من مجمع البحرين، صح أنهما انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد وارتفع النهار أحس موسى عليه السلام بالجوع فعند ذلك * (قال لفتي‍اه ءاتنا غداءنا) * وهو الطعام الذي يؤكل، أول النهار والمراد به الحوت على ما ينبىء عنه ظاهر الجواب وقيل سارا ليلتهما إلى الغد فقال ذلك. * (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) * أي تعبا وإعياء، و * (هذا) * إشارة إلى سفرهم الذي هم ملتبسون به ولكن باعتبار بعض أجزائه، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لم يجد موسى شيئا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به " وذكر أنه يفهم من الفحوى، والتخصيص بالذكر أنه لم ينصب في سائر أسفاره والحكمة في حصول الجوع والتعب له حين جاوز أن يطلب الغداء فيذكر الحوت فيرجع إلى حيث يجتمع بمراده، وعن أبي بكر غالب بن عطية والد أبي عبد الحق المفسر قال: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام؛ ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم، والجملة في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتبار أن النصب إنما يعتري بسبب الضعف الناشىء عن الجوع، وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما، وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير * (نصبا) * بضمتين، قال صاحب اللوامح: وهي إحدى اللغات الأربع في هذه الكلمة.
* (قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت ومآ أنسانيه إلا الشيط‍ان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجبا) * * (قال) * أي فتاه، والاستئناف بياني كأنه قيل فما صنع الفتى حين قال له موسى عليه السلام ما قال؟ فقيل قال: * (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) * أي التجأنا إليها وأقمنا عندها، وجاء في بعض الروايات الصحيحة أن موسى عليه السلام حين قال لفتاه: * (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) * (الكهف: 62) قال: قد قطع الله عنك النصب، وعلى هذا فيحتمل أنه بعد أن قال ذلك قال: * (أرأيت) * الخ، قال شيخ الإسلام: وذكر الاواء إلى الصخرة مع أن المذكور فيما سبق بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الاواء إليها والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة انتهى.
وهذا الأخير إنما يتم على بعض الروايات من أنهما ناما عند الصخرة، وذكر أن هذه الصخرة قريبة من نهر الزيت وهو نهر معين عنده كثير من شجر الزيتون، و * (أرأيت) * قيل بمعنى أخبرني؛ وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت كذلك فلا بد لها من أمرين كون الاسم المستخبر عنه معها ولزوم الجملة التي بعدها الاستفهام وهما مفقودان هنا، ونقل هو ناظر الجيش في شرح التسهيل عن أبي الحسن الأخفش أنه يرى أن أرأيت إذا لم ير بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما هنا مخرجة عن بابها ومضمنة معنى اما أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما بلا خلاف فالمعنى إما أو تنبه إذ أوينا إلى الصخرة * (فإني نسيت الحوت) * وقال شيخ الإسلام: الرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة، ومراده بالاستفهام تعجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى، وقد
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»