تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٠٨
وتحمل المن وغير ذلك، نع إن مجالستهم خلاف ما جبلت عليه النفس ولذا عظم فضلها، وقيل: إن في قوله تعالى: * (واصبر نفسك مع الذين) * الخ دون ودم مع الذين الخ إشارة إلى ذلك ولكن ذلك بالنسبة إلى غيره صلى الله عليه وسلم فإن نفسه الشريعة فطرت على أحسن فطرة وطبعت على أحسن طبيعة.
وقال بعض أهل الأسرار: إنما قيل: واصبر نفسك دون واصبر قلبك لأن قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم كان مع الحق فأمر صلى الله عليه وسلم بصحبة الفقراء جهرا بجهر واستخلص سبحانه قلبه له سرا بسر * (تريد زينة الحياة الدنيا) * أي تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء وأصحاب الدنيا وهي مذمومة مع الميل إليهم والتواضع لغناهم، وقد جاء في الحديث * (من تذلل لغنى لأجل غناه ذهب ثلثا دينه فليتقل الله تعالى في الثلث الآخر) * ومضار مجالستهم كثيرة، ولا تخفى على من علم فوائد مجالسة الفقراء، وأدناها ضررا تحمل منهم فإنه قلما يسلم الغني من المن على جليسه الفقير ولو بمجرد المجالسة وهو حمل لا يطاق، ومن نوابغ الزمخشري طعم الآلاء أحلى من المن وهي أمر من الآلاء عند المن، وقال بعض الشعراء: لنا صاحب ما زال يتبع بره * بمن وبذل المن بالبر لا يسوي تركناه لا بغضا ولا عن ملالة * ولكن لأجل المن يستعمل السلوى * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * (الكهف: 28) نهى عن إطاعة المحجوبين الغافلين وكانوا في القصة يريدون طرد الفقراء وعدم مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم لهم لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا يطاع عند أهل الإشارة الغافل المحجوب في كل شيء فيه هوى النفس، وعدوا من إطاعته التواضع له فإنه يطلبه حالا وإن لم يفصح به مقالا * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 29) قالوا: فيه إشارة إلى عدم كتم الحق وإن أدى إلى إنكار المحجوبين وإعراض الجاهلين، وعدم من ذلك في أسرار القرآن كشف الأسرار الإلهية وقال: إن العاشق الصادق لا يبالي تهتك الأسرار عند الأغيان ولا يخاف لومة لائم ولا يكون في قيد إيمان الخلق وإنكارهم فإن لذة العشق بذلك أتم ألا ترى قول القائل: ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر * ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى * فلا خير في اللذات من دونها ستر ولا يخفى أن هذا خلاف المنصور عند الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم فإنهم حافظوا على كتم الأسرار عن الأغيار وأوصوا بذلك، ويكفي حجة في هذا المطلب ما نسب إلى زين العابدين رضي الله تعالى عنه وهو: إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمى * يرون أقبح ما يأتونه حسنا نعم المغلوب وكذا المأمور معذور وعند الضرورة يباح المحظور، وما أحسن قول الشهاب القتيل: وارحمتا للعاشقين تكلفوا * ستر المحبة والهوى فضاح بالسر إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»