تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٩٨
بعد بيان ما خلق لأجله والذي بعده تفصيل لذلك، وقوله سبحانه: * (لكم) * إما متعلق - بخلقها - وقوله تعالى: * (فيها) * خبر مقدم وقوله جل وعلا: * (دفء) * مبتدأ مؤخر والجملة حال من المفعول أو الجار والمجرور الأول خبر للمبتدأ المذكور والثاني متعلق بما فيه من معنى الاستقرار، وقيل: حال من الضمير المستكن فيه العائد على المبتدأ، وقيل: حال من * (دفء) * إذ لو تأخر لكان صفة، وجوز أبو البقاء أن يكون الثاني هو الخبر والأول في موضع الحال من مبتدئه، وتعقبه أبو حيان بأن هذا لا يجوز لأن الحال إذا كان العامل فيها معنى لا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها فلا يجوز قائما في الدار زيد فإن تأخرت الحال عن اجلملة جازت بلا خلاف وان توسطت فالأخفش على الجواز والجمهور على المنع، وجوز أبو البقاء أيضا أن يرتفع * (دفء) * - بلكم - أو - بفيها - والجملة كلها حال من الضمير المنصوب، وتعقبه أبو حيان أيضا بأن ذلك لا يعد من قبيل الجملة بل هو من قبيل المفرد، ونقل أنهم جوزوا أن يكون * (لكم) * متعلقا - بخلقها - وجملة فيها * (دفء) * استئناف لذكر منافع الأنعام، واستظهر كون جملة * (لكم فيها دفء) * مستأنفة، ثم قال: ويؤيد الاستئناف فيها الاستئناف في مقابلتها أعني قوله تعالى: * ( ولكم فيها جمال) * فقابل سبحانه المنفعة الضرورية بالمنفعة الغير الضرورية، وإلى نحو ذلك ذهب القطب فاختار أن الكلام قد تم عند * (خلقها) * لهذا العطف وخالفه في ذلك صاحب الكشف فقال: إن قوله تعالى: * (خلقها لكم) * بناء على تفسير الزمخشري له بقوله: ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان طرف من ترشيح المعنى الثاني في قوله سبحانه: * (فإذا هو خصيم مبين) * لما في الالتفات المشار إليه من الدلالة عليه، وأما الحصر المشار إليه بقوله: ما خلقها الا لكم فمن اللام المفيدة للاختصاص سيما وقد نوع الخطاب بما يفيد زيادة التمييز والاختصاص، وهذا أولى من جعل * (لكم فيها دفء) * مقابل * (لكم فيها جمال) * لإفادته المعنى الثاني وأبلغ على أنه يكون * (فيها دفء) * تفصيلا للأول وكرر * (لكم) * في الثاني لبعد العهد وزيادة التقريع اه‍، والحق في دعوى أولوية تعلق * (لكم) * بما قبله معه كما لا يخفى، والدفء اسم لما يدفأ به أي يسخن، وتقول العرب. دفىء يومنا فهو دفىء إذا حصلت فيه سخونة ودفىء الرجل دفاء ودفاء بالفتح والكسر ورجل دفآن وامرأة دفأى ويجمع الدفء على ادفاء، والمراد به ما يعم اللباس والبيت الذي يتخذ من أوبارها وأصوافها، وفسره ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وغيره بالثياب.
وأخرج عبد الرزاق وغيره عنه رضي الله تعالى عنه أيضا انه نسل كل دابة، ونقله الأموي عن لغة بعض العرب والظاهر هو الأول. وقرأ الزهري. وأبو جعفر * (دف) * بضم الفاء وشدها وتنوينها، ووجه ذلك في البحر بأنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء وحذفت ثم شدد الفاء إجراء للوصول مجرى الوقف إذ يجوز تشديدها في الوقف.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (دف) * بنقل الحركة والحذف دون تشديد، وفي اللوامح قرأ الزهري * (دف) * بضم الفاء من غير همزة وهي محركة بحركتها، ومنهم من يعوض عن هذه الهمزة فيشدد الفاء وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا. واعترض بأن التشديد وقفا لغة مستقلة وان لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها ودفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أما إذا وقف على ما قبل الآخر منها كقاض فلا.
* (ومنافع) * هي درها وركوبها والحراثة بها والنضح عليها وغير ذلك، وإنما عبر عنها بها ليشمل الكل مع أنه الأنسب بمقام الامتنان بالنعم، وقدم الدفء رعاية لأسلوب الترقي إلى الأعلى * (ومنها تأكلون) * أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم ونحو ذلك - فمن - تبعيضية، والأكل إما على معناه المتبادر وإما بمعنى التناول
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»