تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ٧٥
قوله سبحان: * (ربهم) * لتشريفهم بإضافة الرب إليهم مع الإشعار بعلة الهداية وقوله تعالى: * (تجري من تحتهم الأنهار) * أي من تحت منازلهم أو من بين أيديهم، استئناف نحوي أو بياني فلا محل له من الإعراب أو خبر ثان لأن فمحله الرفع.
وجوز أن يكون في محل النصب على الحال من مفعول * (يهديهم) * على تقدير كون المهدي إليه ما يريدون في الجنة كما قال أبو البقاء، وإن جعل حالا منتظرة لم يحتج إلى القول بهذا التقدير لكنه خلاف الظاهر، والزمخشري لما فسر * (يهديهم ربهم) * بيسددهم الخ جعل هذه الجملة بيانا له وتفسيرا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، ولا يخفى أن سبيل هذا البيان سبيل البدل وبذلك صرح الطيبي وحينئذ فمحلها الرفع لأنه محل الجملة المبدل منها وقوله سبحانه: * (في جنات النعيم) * خبر آخر أو حال أخرى من مفعول * (يهديهم) * فتكون حالا مترادفة أو من * (الأنهار) * فتكون متداخلة أو متعلق بتجري أو بيهدي والمراد على ما قيل بالمهدي إليه إما منازلهم في الجنة أو ما يريدونه فيها.
* (دعواهم فيها سبح‍انك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب الع‍المين) * * (دعواهم) * أي دعاؤهم وهو مبتدأ، وقوله تعالى شأنه: * (فيها) * متعلق به، وقوله سبحانه: * (سبحانك اللهم) * خبره أي دعاؤهم هذا الكلام، والدعوى وإن اشتهرت بمعنى الادعاء لكنها وردت بما ذكرنا أيضا، وكون الخبر من جنس الدعاء يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". والظاهر أن إطلاق الدعاء على ذلك مجاز وهو الذي يفهمه كلام ابن الأثير حيث قال: إنما سمى التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله تعالى وجزائه. وفي الحديث " إذا شغل عبدي ثناؤه على من مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " وجاءت بمعنى العبادة كما في قوله سبحانه: * (واعتزلكم وما تدعون من دون الله) * (مريم: 48) وجوز إرادته هنا والمراد نفي التكليف أي لا عيادة لهم غير هذا القول وليس ذلك بعبادة وإنما يلهمونه وينطقون به تلذذا لا تكليفا. ونظير ذلك قوله سبحانه: * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) * (الأنفال: 35) وفيه خفاء كما لا يخفى وقد يقال: يأتي نظير هذا في الآية على احتمال أن يراد بالدعوى الدعاء حقيقة فيكون المعنى على طرز ما قرر أنه لا سؤال لهم من الله تعالى سوى ذلك، ومن المعلوم أن ذلك ليس بسؤال فيفيد أنه لا سؤال لهم أصلا.
والغرض من ذلك الإشارة إلى حصول جميع مقاصدهم بالفعل فليس بهم حاجة إلى سؤال شيء إلا أن فيه ما فيه ونصب - سبحان - على المصدرية لفعل محذوف وجوبا وهو بمعنى التسبيح. وقدرت الجملة اسمية أي أنا نسبحك تسبيحا لأنها أبلغ والجمل التي بعدها كذلك، و * (اللهم) * بتقدير يا ألله حذف حرف النداء وعوض عنه الميم وتمام الكلام فيه وفيما قبله قد تقدم لك فتذكر، وكان القياس تقديم الاسم الجليل لأن النداء يقدم على الدعاء لكنه استعمل في التسبيح كذلك قيل: لأنه تنزيه عن جميع النقائص وفي النداء ربما يتوهم ترك الأدب.
* (وتحيتهم) * أي ما يحيون به * (فيها سلام) * أي سلامتهم من كل مكروه، وهو خبر * (تحيتهم) * و * (فيها) * متعلق بها، والتحية والتكرمة بالحال الجليلة وأصلها أحياك الله تعالى حياة طيبة، وإضافتها هنا إلى المفعول، والفاعل أما الله سبحانه أي تحية الله تعالى إياهم ذلك ويرشد إليه قوله عز وجل: * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58) أو الملائكة عليهم السلام ويرشد إليه قوله سبحانه: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام) * (الرعد: 23).
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»