تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٣٥
لم يأت بالعمل مقبولا صحيحا، وإنما أتى به باطلا مردودا، وقد وقع التشبيه في البين فتدبر، وانتصاب (رياء) إما على أنه علة لينفق أي لأجل ريائهم؛ أو على أنه حال من فاعله أي ينفق ماله مرائيا، وجعله نعتا لمصدر محذوف أي إنفاقا رياء الناس ليس بشيء، وقريب منه جعل الجار حالا من ضمير المصدر المقدر لأنه لا يتمشى إلا على رأي سيبويه، وأصل رياء رئاء فالهمزة الأولى عين الكلمة والثانية بدل من ياء هي لام لأنها وقعت طرفا بعد ألف زائدة، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياءا فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة، وقد قرأ به الخزاعي والشموني. وغيرهما، والمفاعلة في فعله عند السمين على بابها لأن المرائي يرى الناس أعماله والناس يرونه الثناء عليه والتعظيم له؛ والمراد من الموصول ما يشمل المؤمن والكافر - كما قيل - وغالب المفسرين على أن المراد به المنافق لقوله تعالى: * (ولا يؤمن بالله واليوم الأخر) * حتى يرجو ثوابا أو يخشى عقابا.
* (فمثله) * أي المرائي في الإنفاق، والفاء لربط ما بعدها بما قبلها * (كمثل صفوان) * أي حجر كبير أملس وهو جمع صفوانة أو صفاء أو اسم جنس ورجح بعود الضمير إليه مفردا في قوله تعالى: * (عليه تراب) * أي شيء يسير منه * (فأصابه وابل) * أي مطر شديد الوقع - والضمير للصفوان - وقيل: للتراب. * (فتركه صلدا) * أي أملس ليس عليه شيء من الغبار أصلا، وهذا التشبيه يجوز أن يكون مفرقا فالنافق المنافق كالحجر في عدم الانتفاع ونفقته كالتراب لرجاء النفع منهما بالأجر والإنبات، ورياؤه كالوابل المذهب له سريعا الضار من حيث يظن النفع ولو جعل مركبا لصح، وقيل: إنه هو الوجه والأول ليس بشيء. * (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) * أي لا يجدون ثواب شيء مما أنفقوا رياءا ولا ينتفعون به قطعا، والجملة مبينة لوجه الشبه أو استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل: لا يقدرون، وجعلها حالا من (الذي) كما قال السمين مهزول من القول كما لا يخفى، والضمير راجع إلى الموصول باعتبار المعنى بعد ما روعي لفظه إذ هو صفة لمفر لفظا مجموع معنى كالجمع والفريق، أو هو مستعمل للجمع كما قوله تعالى: * (وخضتم كالذي خاضوا) * (التوبة: 69) على رأي، وقوله: إن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد وقيل: إن من والذي يتعاقبان فعومل هنا معاملته، ولا يخفى بعده، ورجوع الضمير إلى (الذين آمنوا) من قبل بالالتفات مما لا يلتفت إليه * (والله لا يهدي القوم الكافرين) * إلى ما ينفعهم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله، وفيه تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفات الكفار ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها.
* (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغآء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) *.
* (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغآء مرضاة الله) * أي لطلب رضاه أو طالبين له. * (وتثبيتا من أنفسهم) * أي ولتثبيت أو مثبتين بعض أنفسهم على الإيمان - فمن تبعيضية - كما في قولهم: هز من
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»