وسلطانه. والظاهر أن الضمير في * (وعده) * عائد على اليوم، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي أنه تعالى وعد عباده هذا اليوم، وهو يوم القيامة، فلا بد من إنجازه. ويجوز أن يكون عائدا على الله تعالى، فيكون من إضافة المصدر إلى الفاعل، وإن لم يجر له ذكر قريب، لأنه معلوم أن الذي هذه مواعيده هو الله تعالى.
* (إن هاذه) *: أي السورة، أو الأنكال وما عطف عليه، والأخذ الوبيل، أو آيات القرآن المتضمنة شدة القيامة، * (تذكرة) *: أي موعظة، * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) * بالتقرب إليه بالطاعة، ومفعول شاء محذوف يدل عليه الشرط، لأن من شرطية، أي فمن شاء أن يتخذ سبيلا اتخذه إلى ربه، وليست المشيئة هنا على معنى الإباحة، بل تتضمن معنى الوعد والوعيد. * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى) *: تصلي، كقوله: * (قم اليل) *. لما كان أكثر أحوال الصلاة القيام عبر به عنها، وهذه الآية نزلت تخفيفا لما كان استمرار استعماله من أمر قيام الليل، إما على الوجوب، وإما على الندب، على الخلاف الذي سبق؛ * (إن ربك يعلم أنك) *: أي زمانا هو أقل من ثلثي الليل، واستعير الأدنى، وهو الأقرب للأول، لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز، وإذا بعدت كثر ذلك. وقرأ الجمهور: * (من ثلثى) * بضم اللام؛ والحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السميفع وهشام وابن مجاهد، عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل: بإسكانها، وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح. وقرأ العربيان ونافع: ونصفه وثلثه، بجرهما عطفا على * (إن ربك) *؛ وباقي السبعة وزيد بن علي: بالنصب عطفا على * (أدنى) *، لأنه منصوب على الظرف، أي وقتا أدنى من ثلثي الليل. فقراءة النصب مناسبة للتقسيم الذي في أول السورة، لأنه إذا قام الليل إلا قليلا صدق عليه * (إن ربك يعلم أنك) *، لأن الزمان الذي لم يقم فيه يكون الثلث وشيئا من الثلثين، فيصدق عليه قوله: * (إلا قليلا) *. وأما قوله: * (ونصفه) * فهو مطابق لقوله أولا: * (نصفه) *. وأما ثلثه فإن قوله: * (أو انقص منه قليلا) * قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل. وأما قوله: * (أو زد عليه) *، فإنه إذا زاد على النصف قليلا، كان الوقت أقل من الثلثين، فيكون قد طابق قوله: * (إن ربك يعلم أنك) *، ويكون قوله تعالى: * (نصفه أو انقص منه قليلا) * شرحا لمبهم ما دل عليه قوله: * (قم اليل إلا قليلا) *، وعلى قراءة النصب.
قال الحسن وابن جبير: معنى تحصوه: تطيقوه، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته، فخفف تعالى عنهم فضلا منه، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات. وأما قراءة الجر، فالمعنى أنه قيام مختلف؛ مرة أدنى من الثلثين، ومرة أدنى من النصف، ومرة أدنى من الثلث، وذلك لتعذر معرته البشر مقادير الزمان مع عذر النوم. وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى، والبشر لا يحصون ذلك، أي لا يطيقون مقادير ذلك، فتاب عليهم، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر. وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفا وثلثا، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث، فلا تنافي بين القراءتين. وقرأ الجمهور: * (وثلثه) * بضم اللام؛ وابن كثير في رواية شبل: بإسكانها؛ وطائفة: معطوف على الضمير المستكن في * (تقوم) *، وحسنة الفصل بينهما. وقوله: * (وطائفة من الذين معك) * دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع، إذ لو كان فرضا، لكان التركيب: والذين معك، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته، ومنهم من يقوم معه، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع.
* (والله يقدر اليل والنهار) *: أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات. قال الزمخشري: وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير. انتهى. وهذا مذهبه، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ. لو قلت: زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص. وأن مخففة من الثقيلة، والضمير في * (* نحصوه) *، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار، لا تحيطوا بها على الحقيقة. وقيل: الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله: * (بارئكم فتاب عليكم) *. قيل: فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به. وقيل: رجع بكم من ثقل إلى خف، ومن عسر إلى عسر، ورخص