يتهم به. انتهى. وهذا الذي قاله سبقه إليه أبو الفضل الرازي. قال في كتاب اللوامح: وذو الحال الواقعة والعامل وقعت، ويجوز أن يكون * (ليس لوقعتها كاذبة) * حال أخرى من الواقعة بتقدير: إذا وقعت صادقة الواقعة، فهذه ثلاثة أحوال من ذي حال، وجازت أحوال مختلفة عن واحد، كما جازت عنه نعوت متضادة وأخبار كثيرة عن مبتدأ واحد. وإذا جعلت هذه كلها أحوالا، كان العامل في * (إذا وقعت) * محذوفا يدل عليه الفحوى بتقدير يحاسبون ونحوه. انتهى. وتعداد الأحوال والأخبار فيه خلاف وتفصيل ذكر في النحو، فليس ذلك مما أجمع عليه النحاة.
قال الجمهور: القيامة تنفظر له السماء والأرض والجبال، وتنهد له هذه البنية برفع طائفة من الأجرام وبخفض أخرى، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى، وترفعها لتسمع الأقصى. وقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة: القيامة تخفض أقواما إلى النار، وترفع أقواما إلى الجنة؛ وأخذ الزمخشري هذه الأقوال على عادته وكساها بعض ألفاظ رائعة، فقال: ترفع أقواما وتضع آخرين، أما وصفا لها بالشدة، لأن الواقعات العظام كذلك يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس؛ وأما أن الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يحطون إلى الدرجات؛ وأما أنها تزلزل الأشياء عن مقارها لتخفض بعضا وترفع بعضا، حيث تسقط السماء كسفا، وتنتثر الكواكب وتنكدر، وتسير الجبال فتمر في الجو مر السحاب. انتهى.
* (إذا رجت) *، قال ابن عباس: زلزلت وحركت بجذب. وقال أيضا هو وعكرمة ومجاهد: * (* بست) *: فتتت، وقيل: سيرت. وقرأ زيد بن علي: * (إذا رجت) *، و * (* بست) * مبنيا للفاعل، * (وإذا * رجت) * بدل من * (إذا وقعت) *، وجواب الشرط عندي ملفوظ به، وهو قوله: * (فأصحاب الميمنة) *، والمعنى إذا كان كذا وكذا، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به، أي إن سعادتهم وعظم رتبتهم عند الله تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم. وقال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة، أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال، لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض. انتهى. ولا يجوز أن ينتصب بهما معا، بل بأحدهما، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد. وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي: * (إذ * رجت) * في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو * (إذا وقعت) *، وليست واحدة منهما شرطية، بل جعلت بمعنى وقت، وما بعد إذا أحوال ثلاثة، والمعنى: وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع، خافضة قوم، رافعة آخرين وقت رج الأرض. وهكذا ادعى ابن مالك أن إذا تكون مبتدأ، واستدل بهذا. وقد ذكرنا في شرح التسهيل ما تبقى به إذا على مدلولها من الشرط، وتقدم شرح الهباء في سورة الفرقان. * (منبثا) *: منتشرا. منبتا بنقطتين بدل الثاء المثلثة، قراءة الجمهور، أي منقطعا.
* (وكنتم) *: خطاب للعالم، * (أزواجا ثلاثة) *: أصنافا ثلاثة، وهذه رتب للناس يوم القيامة. * (فأصحاب الميمنة) *، قال الحسن والربيع: هم الميامين على أنفسهم. وقيل: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم. وقيل: أصحاب المنزلة السنية، كما تقول: هو مني باليمين. وقيل: المأخوذ بهم ذات اليمين، أو ميمنة آدم المذكورة في حدث الإسراء في الاسودة. * (وأصحاب المشئمة) *: هم من قابل أصحاب الميمنة في هذه الأقوال، فأصحاب مبتدأ، ما مبتدأ ثان استفهام في معنى التعظيم، وأصحاب الميمنة خبر عن ما، وما بعدها خبر عن أصحاب، وربط الجملة بالمبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم، وما تعجب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة، والمعنى: أي شيء هم.
* (والسابقون السابقون) *: جوزوا أن يكون مبتدأ وخبرا، نحو قولهم: أنت أنت، وقوله: أنا أبو النجم، وشعري شعري، أي الذين انتهوا في السبق، أي الطاعات، وبرعوا فيها وعرفت حالهم. وأن يكون السابقون تأكيدا لفظيا، والخبر فيما بعد ذلك؛ وأن يكون السابقون مبتدأ والخبر فيما بعده، وتقف على قوله: * (والسابقون) *، وأن يكون متعلق السبق الأول مخالفا للسبق الثاني. والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة، فعلى هذا جوزوا أن يكون السابقون خبرا لقوله: * (والسابقون) *، وأن يكون صفة والخبر فيما بعده. والوجه الأول، قال ابن عطية: ومذهب سيبويه أنه يعني السابقون خبر الابتداء، يعني خبر والسابقون، وهذا كما