وقال مالك: تقبل في القذف بالزنا وغيره إذا تاب وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشعي والقاسم بن محمد وسالم والزهري، وقال: لا تقبل شهادة محدود في الإسلام يعني مطلقا، وتوبته بماذا تقبل بإكذاب نفسه في القذف وهو قول الشافعي وكذا فعل عمر بنافع وشبل أكذبا أنفسهما فقبل شهادتهما، وأصر أبو بكرة فلم تقبل شهادته حتى مات.
* (وأولئك هم الفاسقون) * الظاهر أنه كلام مستأنف غير داخل في حيز الذين يرمون، كأنه إخبار بحال الرامين بعد انقضاء الموصول المتضمن معنى الشرط وما ترتب في خبره من الجلد وعدم قبول الشهادة أبدا.
* (إلا الذين تابوا) * هذا الاستثناء يعقب جملا ثلاثة، جملة الأمر بالجلد وهو لو تاب وأكذب نفسه لم يسقط عنه حد القذف، وجملة النهي عن قبول شهادتهم أبدا وقد وقع الخلاف في قبول شهادتهم إذا تابوا بناء على أن هذا الاستثناء راجع إلى جملة النهي، وجملة الحكم بالفسق أو هو راجع إلى الجملة الأخيرة وهي الثالثة وهي الحكم بفسقهم والذي يقتضيه النظر أن الاستثناء إذا تعقب جملة يصلح أن يتخصص كل واحد منها بالاستثناء أن يجعل تخصيصا في الجملة الأخيرة، وهذه المسألة تكلم عليها في أصول الفقه وفيها خلاف وتفصيل، ولم أر من تكلم عليها من النحاة غير المهاباذي وابن مالك فاختار ابن مالك أن يعود إلى الجمل كلها كالشرط، واختار المهاباذي أن يعود إلى الجملة الأخيرة وهو الذي نختاره، وقد استدللنا على صحة ذلك في كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل. وقال الزمخشري: وجعل يعني الشافعي الاستثناء متعلقا بالجملة الثانية وحق المستثنى عنده أن يكون مجرور بدلا من * (هم) * في * (لهم) * وحقه عند أبي حنيفة النصب لأنه عن موجب، والذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها أن تكون الجمل الثلاث مجموعهن جزاء الشرط يعني الموصول المضمن معنى الشرط كأنه قيل: ومن قذف المحصنات فاجلدوه وردوا شهادته وفسقوه أي اجمعوا له الحد والرد والفسق.
* (إلا الذين تابوا) * عن القذف * (وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * فينقلبون غير محدودين ولا مردودين ولا مفسقين انتهى. وليس يقتضي ظاهر الآية عود الاستثناء إلى الجمل الثلاث، بل الظاهر هو ما يعضده كلام العرب وهو الرجوع إلى الجملة التي تليها والقول بأنه استثناء منقطع مع ظهور اتصاله ضعيف لا يصار إليه إلا عند الحاجة.
ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن ولذلك قال سعد بن عبادة: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك بن سحماء فنزلت * (والذين يرمون أزواجهم) * واتضح أن المراد بقوله * (والذين يرمون المحصنات) * غير الزوجات، والمشهور أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر. وقيل: نازلة عويمر قبل، والمعنى بالزنا ولم يكن لهم شهداء ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات، والمعنى * (شهداء) * على صدق قولهم. وقرئ ولم تكن بالتاء. وقرأ الجمهور بالياء وهو الفصيح لأنه إذا كان العامل مفرغا لما بعد إلا وهو مؤنث فالفصيح أن يقول ما قام إلا هند، وأماما قامت إلا هند فأكثر أصحابنا يخصه بالضرورة، وبعض النحويين يجيزه في الكلام على قلة.
و * (أزواجهم) * يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والإماء، فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من العمل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأحد معنيين أحدهما: أن تكون الزوجة ممن لا يجب على قاذفها الحد وإن كان أجنبيا، نحو أن تكون الزوجة مملوكة أو ذمية وقد وطئت وطأ حر إما في غير ملك. والثاني: أن يكون أحدهما ليس من أهل الشهادة بأن يكون محدودا في قذف أو كافرا أو عبدا، فأما إذا كان أعمى أو فاسقا فله أن يلاعن. وقال الثوري والحسن بن صالح: لا لعان إذا كان أحد الزوجين مملوكا أو كافرا، ويلاعن المحدود في القذف. وقال الأوزاعي: لالعان بين أهل الكتاب ولا بين المحدود في القذف وامرأته. وقال الليث: يلاعن العبد امرأته الحرة والمحدود في القذف. وعن مالك: الأمة المسلمة والحرة الكتابية يلاعن الحر المسلم والعبد يلاعن زوجته الكتابية، وعنه: ليس بين المسلم والكافرة لعان إلا لمن يقول رأيتها تزني فيلاعن ظهر الحمل أو لم يظهر، ولا يلاعن المسلم الكافرة ولا زوجته الأمة إلا في نفي الحمل ويتلاعن عن المملوكان المسلمان لا الكافران. وقال الشافعي كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض يلاعن، والظاهر العموم في الرامين وزوجاتهم المرميات بالزنا، والظاهر إطلاق الرمي بالزنا سواء قال: عاينتها تزني أم قال زنيت وهو قول أبي حنيفة