فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وإذاقة العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع. وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث. وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة: عما يغشى منهما ويلابس، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف، ولهم في نحو هذا طريقان: أحدهما: أن ينظروا فيه إلى المستعار له، كما نظر إليه ههنا، ونحوه قول كثير:
* غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال * استعار الرداء للمعروف، لأنه يصون عرض صاحبه، صون الرداء لما يلقى عليه. ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال، لا صفة الرداء، نظرا إلى المستعار له. والثاني: أن ينظروا فيه إلى المستعار كقوله:
* ينازعني ردائي عبد عمرو * رويدك يا أخا عمرو بن بكر * * لي الشطر الذي ملكت يميني * ودونك فاعتجر منه بشطر * أراد بردائه سيفه ثم قال: فاعتجر منه بشطر، فنظر إلى المستعار في لفظ: الاعتجار، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل: فكساهم لبس الجوع والخوف، ولقال كثير: ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكا انتهى. وهو كلام حسن. ولما تقدم ذكر الأمن وإتيان الرزق، قابلهما بالجوع الناشئ عن انقطاع الرزق وبالخوف. وقدم الجوع ليلى المتأخر وهو إتيان الرزق كقوله: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم) * وأما قوله: * (فمنهم شقى وسعيد) * فأما الذين شقوا ففي النار فقدم ما بدىء به وهما طريقان. وقرأ الجمهور: والخوف بالجر عطفا على الجوع. وروي العباس عن أبي عمرو: والخوف بالنصب عطفا على لباس. قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يكون نصبه بإضمار فعل. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون على تقدير حذف المضاب وإقامة المضاف إليه مقامه، أصله ولباس الخوف. وقرأ عبد الله فأذاقها الله الخوف والجوع، ولا يذكر لباس. والذي أقوله: إن هذا تفسير المعنى لا قراءة، لأن المنقول عنه مستفيضا مثل ما في سواد المصحف. وفي مصحف أبي بن كعب لباس الخوف والجوع، بدأ بمقابل ما بدأ به في قوله: كانت آمنة، وهذا عندي إنما كان في مصحفه قبل أن يجمعوا ما في سواد المصحف الموجود الآن شرقا وغربا، ولذلك المستفيض عن أبي في القراءة إنما هو كقراءة الجماعة بما كانوا يصنعون من كفران نعم الله، ومنها تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم) الذي جاءهم. والضمير في بما كانوا يصنعون عائد على المحذوف في قوله: وضرب الله مثلا قرية، أي: قصة أهل قرية، أعاد الضمير أولا على لفظ قرية، ثم على المضاف المحذوف كقوله: * (فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) *. والظاهر أن الضمير في ولقد جاءهم، عائد على ما عاد عليه في قوله: بما كانوا يصنعون. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون الضمير في