جمال ومنصب فقال إني أخاف الله، ومعنى زادتهم إيمانا أي يقينا وتثبيتا لأن تظاهر الأدلة وتظافرها أقوى على الطمأنينة المدلول عليه وأرسخ لقدمه. وقيل المعنى أنه إذا كان لم يسمع حكما من أحكام القرآن منزل للنبي صلى الله عليه وسلم) فآمن به زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به إذ لكل حكم تصديق خاص، ولهذا قال مجاهد عبر بزيادة الإيمان عن زيادة العلم وأحكامه. وقيل زيادة الإيمان كناية عن زيادة العمل، وعن عمر بن عبد العزيز أن للإيمان سنة وفرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان، وقيل هذا في الظالم يوعظ فيقال له اتق الله فيقلع فيزيده ذلك إيمانا والظاهر أن قوله * (وعلى ربهم يتوكلون) * داخل في صلة الذين كما قلنا قبل، وقيل هو مستأنف وترتيب هذه المقامات أحسن ترتيب فبدأ بمقام الخوف إما خوف الإجلال والهيبة وإما خوف العقاب، ثم ثانيا بالإيمان بالتكاليف الواردة، ثم ثالثا بالتفويض إلى الله والانقطاع إليه ورخص ما سواه.
* (الذين يقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون) * الأحسن أن يكون * (الذين) * صفة للذين السابقة حتى تدخل في حيز الجزئية فيكون ذلك إخبارا عن المؤمنين بثلاث الصفة القلبية وعنهم بالصفة البدنية والصفة المالية وجمع أفعال القلوب لأنها أشرف وجمع في أفعال الجوارح بين الصلاة والصدقة لأنهما عمودا أفعال وأجاز الحوفي والبريزي أن يكون * (الذين) * بدلا من الذين وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين والظاهر أن قوله و * (مما رزقناهم * ينفقون) * عام في الزكاة ونوافل الصدقات وصلات الرحم وغير ذلك من المبار المالية، وقد خص ذلك جماعة من المفسرين بالزكاة لاقترانها بالصلاة.
* (أولئك هم المؤمنون حقا) * قال ابن عطية * (حقا) * مصدر مؤكد كذا نص عليه سيبويه وهو المصدر غير المنتقل والعامل فيه أحق ذلك حقا انتهى، ومعنى ذلك أنه تأكيد لما تضمنته الجملة من الإسناد الخبري وأنه لا مجاز في ذلك الإسناد. وقال الزمخشري حقا صفة للمصدر المحذوف أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا وهو مصدر مؤكد للجملة التي هي أولئك هم المؤمنون كقوله هو عبد الله حقا أي حق ذلك حقا. وعن الحسن أنه سأله رجل أمؤمن أنت قال: الإيمان إيمانان فإن كانت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله إنما المؤمنون فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا وأبعد من زعم أن الكلام ثم عند قوله أولئك هم المؤمنون وأن حقا متعلق بما بعده أي حقا لهم درجات وهذا لأن انتصاب حقا على هذا التقدير يكون عن تمام جملة الابتداء بمكان التأخير عنها لأنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة فلا يجوز تقديمه وقد أجازه بعضهم وهو ضعيف.
* (لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) * لما تقدمت ثلاث صفات قلبية وبدنية ومالية ترتب عليها ثلاثة أشياء فقوبلت الأعمال القلبية بالدرجات، والبدنية بالغفران، وفي الحديث أن رجلا أتى من امرأة أجنبية ما يأتيه الرجل من أهله غير الوطء، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم) لما أخبر بذلك أصليت معنا فقال نعم فقال له: غفر الله لك وقوبلت المالية بالرزق بالكريم وهذا النوع من المقابلة من بديع علم البيان. وقال ابن عطية والجمهور: إن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا وقوله ورزق كريم يريد به مآكل الجنة ومشاربها وكريم صفة تقتضي رفع المقام كقوله ثوب كريم وحسب كريم، وقال الزمخشري درجات شرف وكرامة وعلو منزلة ومغفرة وتجاوز لسيئاتهم ورزق كريم ونعيم الجنة منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم وهذا معنى الثواب انتهى. وقال عطاء درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، وقال الربيع بن أنس