تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٩
تأخرهم من الصف لا طردهم من المجلس. ورويت هذه الأسباب بزيادة ونقص ومضمونها أن ناسا من أشراف العرب سألوا من الرسول صلى الله عليه وسلم) طرد فقراء المؤمنين عنه فنزلت، ولما أمر تعالى بإنذار غير المتقين * (لعلهم يتقون) * أردف ذلك بتقريب المتقين وإكرامهم ونهاه عن طردهم ووصفهم بموافقة ظاهرهم لباطنهم من دعاء ربهم وخلوص نياتهم، والظاهر من قوله تعالى: * (يدعون ربهم) * يسألونه ويلجأون إليه ويقصدونه بالدعاء والرغبة * (بالغداة والعشى) * كناية عن الزمان الدائم ولا يراد بهما خصوص زمانهما كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا تريد في كل حال فكنى بالغداة عن النهار وبالعشي عن الليل، أو خصهما بالذكر لأن الشغل فيهما غالب على الناس ومن كان في هذين الوقتين يغلب عليه ذكر الله ودعاؤه كان في وقت الفراغ أغلب عليه. وقيل: المراد بالدعاء الصلاة المكتوبة. فقال الحسن ومقاتل: هي الصلاة بمكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا. وقال قتادة ومجاهد: في رواية عنه هي صلاة الصبح والعصر. وقال ابن عمر وابن عباس ومجاهد في رواية وإبراهيم: هي الصلوات الخمس. وقال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشيا فأنكر ذلك ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما، وقالوا: إلا الآية في الصلوات في الجماعة. وقال أبو جعفر: هي قراءة القرآن وتعلمه. وقال الضحاك: العبادة. وقال إبراهيم في رواية: ذكر الله. وقال الزجاج: دعاء الله تعالى بالتوحيد والإخلاص وعبادته. وقرأ الجمهور * (بالغداة) *. وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن ومالك بن دينار والحسن ونصر بن عاصم وأبو رجاء العطاردي بالغدو. وروي عن أبي عبد الرحمن أيضا بالغدو بغيرها. وقرأ ابن أبي عبلة: بالغدوات والعشيات بالألف فيهما على الجمع، والمشهور في غدوة أنها معرفة بالعلمية ممنوعة الصرف. قال الفراء: سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط يريد غداة يومه، قال: ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذا لا تدخلها لألف واللام إنما يقولون: جئتك غداة الخميس؛ انتهى. وحكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكرها فيقول: رأيته غدوة بالتنوين وعلى هذه اللغة قرأ ابن عامر ومن ذكر معه وتكون إذ ذاك كفينة. حكى أبو زيد: لقيته فينة غير مصروف ولقيته الفينة بعد الفينة أي الحين بعد الحين ولما خفيت هذه اللغة على أبي عبيد أساء الظن بمن قرأ هذه القراءة فقال: إنما نرى ابن عامر والسلمي قرآ تلك القراءة اتباعا للخط وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها، لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا العرب؛ انتهى. وهذا من أبي عبيد جهل بهذه اللغة التي حكاها سيبويه والخليل وقرأ بها هؤلاء الجماعة وكيف يظن بهؤلاء الجماعة القراء أنهم إنما قرؤا بها لأنها مكتوبة في المصحف بالواو والقراءة، إنما هي سنة متبعة وأيضا فابن عامر عربي صريح كان موجودا قبل أن يوجد اللحن لأنه قرأ القرآن على عثمان بن عفان ونصر بن عاصم أحد العرب الأئمة في النحو، وهو ممن أخذ علم النحو عن أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو والحسن البصري من الفصاحة بحيث يستشهد بكلامه فكيف يظن بهؤلاء إنهم لحنوا؟ انتهى. واغتروا بخط المصحف ولكن أبو عبيدة جهل هذه اللغة وجهل نقل هذه القراءة فتجاسر على ردها عفا الله عنه، والظاهر أن العشي مرادف للعشية ألا ترى قوله: * (إذ عرض عليه بالعشى
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»