ذلك يلازم من هذا الموضع، وإنما الذي يلزم منه أن الملك أعظم موقعا في أنفسهم وأقرب إلى الله والتفضيل يعطيه المعنى عطاء خفيا وهو ظاهر من آيات أخر وهي مسألة خلاف، و * (ما يوحى) * يريد به القرآن وسائر ما يأتي به الملك أي في ذلك عبر وآيات لمن تأمل ونظر؛ انتهى. وقال الكلبي: * (خزائن الله) * مقدوراته من إغناء الفقير وإفقار الغني. وقال مقاتل: الرحمة والعذاب. وقيل: آياته. وقيل: مجموع هذا لقوله * (وإن من شىء إلا عندنا خزائنه) *. قيل: وهذه الثلاث جواب لما سأله المشركون، فالأول جواب لقولهم: إن كنت رسولا فاسأل الله حتى يوسع علينا خزائن الدنيا، والثاني: جواب لقولهم إن كنت رسولا فأخبرنا بما يقع في المستقبل من المصالح والمضار فنستعد لتحصيل تلك ودفع هذه، والثالث: جواب قولهم: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ انتهى.
وقال الزمخشري (فإن قلت): أعلم الغيب ما محله من الإعراب؟ قلت: النصب عطفا على محل قوله: * (خزائن الله) * لأنه من جملة المقول كأنه قال: لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول؛ انتهى. ولا يتعين ما قاله، بل الظاهر أنه معطوف على لا أقول لا معمول له فهو أمر أن يخبر عن نفسه بهذه الجمل الثلاث فهي معمولة للأمر الذي هو قل وغاير في متعلق النفي فنفى قوله: * (عندى خزائن الله) * وقوله: * (إنى ملك) * ونفى علم الغيب ولم يأت التركيب. ولا أقول: إني أعلم الغيب لأن كونه ليس عنده * (خزائن الله) * من أرزاق العباد وقسمهم معلوم ذلك للناس كلهم فنفى ادعاءه ذلك وكونه بصورة البشر معلوم أيضا لمعرفتهم بولادته ونشأته بين أظهرهم، فنفى أيضا ادعاءه ذلك ولم ينفهما من أصلهما لأن انتفاء ذلك من أصله معلوم عندهم، فنفى أن يكابرهم في ادعاء شيء يعلمون خلافه قطعا. ولما كان علم الغيب أمرا يمكن أن يظهر على لسان البشر بل قد يدعيه كثير من الناس كالكهان وضراب الرمل والمنجمين، وكان صلى الله عليه وسلم) قد أخبر بأشياء من المغيبات وطابقت ما أخبر به نفي علم الغيب من أصله فقال: (ولا أعلم الغيب تنصيصا على محض العبودية والافتقار). وإن ما صدر عنه من إخبار بغيب إنما هو من الوحي الوارد عليه لا من ذات نفسه، فقال: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) * كما قال فيما حكى الله عنه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء وكما أثر عنه عليه السلام لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلا أن يعلمني ربي، وجاء هذا النفي على سبيل الترقي فنفى أولا ما يتعلق به رغبات الناس أجمعين من الأرزاق التي هي قوام الحياة الجسمانية، ثم نفى ثانيا ما يتعلق به وتتشوف إليه النفوس الفاضلة من معرفة ما يجهلون وتعرف ما يقع من الكوائن ثم نفى ثالثا ما هو مختص بذاته من صفة الملائكة التي هي مباينة لصفة البشرية فترقى في النفي من عام إلى خاص إلى أخص، ثم حصر ما هو عليه في أحواله كلها بقوله: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) * أي أنا متبع ما أوحى الله غير شارع شيئا من جهتي، وظاهره حجة لنفاة القياس.
* (قل هل يستوى الاعمى والبصير) * أي لا يستوي الناظر المفكر في الآيات والمعرض الكافر الذي يهمل النظر. قال ابن عباس: الكافر والمؤمن. وقال ابن جبير: الضال والمهتدي. وقيل: الجاهل والعالم. وقال الزمخشري: مثل للضلال والمهتدين ويجوز أن يكون مثلا لمن اتبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع أو لمن ادعى المستقيم، وهو النبوة والمحال وهو الألوهية والملكية.
* (أفلا تتفكرون