دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ١١٤
قال الإمام أحمد وكان يقال إنه من أهل حران وعنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات وكان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة بقايا أهل هذا الدين أهل الشرك ونفي الصفات والأفعال ولهم مصنفات في دعوة الكواكب كما صنفه ثابت بن قرة وأمثاله من الصابئة الفلاسفة أهل حران وكما صنفه أبو معشر البلخي وأمثاله وكان لهم بها هيكل العلة الأولى وهيكل العقل الفعال وهيكل النفس الكلية وهيكل زحل وهيكل المشتري وهيكل المريخ وهيكل الشمس وهيكل الزهرة وهيكل عطارد وهيكل القمر وقد بسط هذا في هذا الموضع الوجه الثاني أنه لو كان المراد بقوله * (هذا ربي) * أنه رب العالمين لكانت قصة الخليل حجة على نقيض مطلوبهم لأن الكواكب والقمر والشمس ما زال متحركا من حين بزوغه إلى عند أفوله وغروبه وهو جسم متحرك متحيز صغير فلو كان مراده هذا للزم أن يقال إن إبراهيم لم يجعل الحركة والانتقال مانعة من كون المتحرك المنتقل رب العالمين بل ولا كونه صغيرا بقدر الكوكب والشمس والقمر وهذا مع كونه لا يظنه عاقل ممن هو دون إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه فإن جوزوه عليه كان حجة عليهم لا لهم الوجه الثالث أن الأفول هو المغيب والاحتجاب ليس هو مجرد الحركة والانتقال ولا يقول أحد لا من أهل اللغة ولا من أهل التفسير إن الشمس والقمر في حال ميسرهما في السماء إنهما آفلان ولا يقول للكواكب المرئية في السماء في حال ظهورها وجريانها إنها آفلة ولا يقول عاقل لكل من مشى وسافر وطار إنه آفل الوجه الرابع أن هذا القول الذي قالوه لم يقله أحد من علماء السلف أهل التفسير ولا بد من أهل اللغة بل هو من التفسيرات المبتدعة في الإسلام كما ذكر ذلك عثمان بن سعيد الدارمي وغيره من علماء السنة وبينوا أن هذا من التفسير المبتدع وبسبب هذا الابتداع أخذ ابن سينا وأمثاله لفظ الأفول بمعنى الإمكان كما قال في إشاراته قال قوم إن هذا الشيء المحسوس موجود لذاته واجب لنفسه لكن إذا تذكرت ما
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»