دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ١٤
في هذا الزمان وقبله قول ضعيف جدا مخالف لما علم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما علم من حال أصحابه والتابعين لهم بإحسان وذلك لأن المنكر لهذا لا يخرج عن قولين إما أن يكون ممن يحرم ذبائح أهل الكتاب مطلقا كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة وهؤلاء يحرمون نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم وهذا ليس من أقوال أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالفتيا ولا من أقوال أتباعهم وهو خطأ مخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم فإن الله تعالى قال في كتابه * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * فإن قيل هذه الآية معارضة بقوله * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * وبقوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * قيل الجواب من ثلاثة أوجه أحدهما أن الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب وإنما يدخلون في الشرك المقيد قال الله تعالى * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * فجعل المشركين قسما غير أهل الكتاب وقال تعالى * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) * فجعلهم قسما غيرهم فأما دخولهم في المقيد ففي قوله تعالى * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * فوصفهم بأنهم مشركون وسبب هذا أن أصل دينهم الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل ليس فيه شرك كما قال تعالى * (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) * وقال تعالى * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) * وقال * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) * ولكنهم بدلوا وغيروا فابتدعوا من الشرك ما لم ينزل به الله سلطانا فصار فيهم شرك باعتبار ما ابتدعوا لا باعتبار أصل الدين وقوله تعالى " ولا تمسكوا بعصم
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»