دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ١١
وعند جمهور العلماء مع أنها ميتة موتا حيوانيا وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ومن نجس هذا قال في أحد القولين أنه لا ينجس المائعات الواقعة فيه لهذا الحديث وإذا كان كذلك علم أن علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها فما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل فإذا مات لم يحتبس فيه الدم فلا ينجس فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا فإن العظم ليس فيه دم سائل ولا كان متحركا بالإرادة إلا على وجه التبع فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه سائل ومما يبين صحة قول الجمهور أن الله إنما حرم علينا الدم المسفوح كما قال تعالى * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) * فإذا عفي عن الدم غير المسفوح مع أنه من جنس الدم حيث علم أن الله سبحانه فرق بين الدم الذي يسيل وبين غيره فلهذا كان المسلمون يصنعون اللحم في المرق وخيوط الدم في القدر تبين ويأكلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها ولولا هذا لاستخرجوا الدم من العروق كما يفعل اليهود والله تعالى حرم ما مات حتف أنفه أو لسبب غير جارح محدد كالموقودة والمتردية والنطيحة وحرم صلى الله عليه وسلم ما صيد بغيره من المعراض وقال إنه وقيذ والفرق بينهما إنما هو سفح الدم فدل على أن سبب التنجيس هو احتقان الدم واحتباسه وإذا سفح بوجه خبيث بأن يذكر عليه غير اسم الله كان الخبث هنا من وجه آخر فإن التحريم تارة لوجود الدم وتارة لفساد التذكية كذكاة المجوسي والمرتد والذكاة في غير المحل فإذا كان كذلك فالعظم والظفر والقرن والظلف وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح فلا وجه لتنجيسه وهذا قول جمهور السلف قال الزهري كان خيار هذه الأمة يتمشطون بأمشاط من عظام الفيل وقد روي في العاج حديث معروف لكن فيه نظر ليس هذا موضعه فإنا لا نحتاج إلى الاستدلال بذلك وأيضا فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شاة ميمونة هلا أخذتم إهابها
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»