دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ٤٨٠
الأنواع فيه وهذا قد قررناه غير مرة في القواعد المتقدمة ومن تدبره علم أن أكثر أقوال السلف في التفسير متفقة غير مختلفة مثال ذلك قول بعضهم في الصراط المستقيم إنه الإسلام وقول آخر إنه القرآن وقول آخر إنه السنة والجماعة وقول آخر إنه طريق العبودية فهذه كلها صفات له متلازمة لا مباينة وتسميته بهذه الأسماء بمنزلة تسمية القرآن والرسول بأسمائه بل بمنزلة أسماء الله الحسنى ومثال الثاني قوله تعالى * (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) * فذكر منهم صنفا من الأصناف والعبد يعم الجميع فالظالم لنفسه المخل ببعض الواجب والمقتصد القائم به والسابق المتقرب بالنوافل بعد الفرائض وكل من الناس يدخل في هذا بحسب طريقه والتفسير والترجمة ببيان النوع والجنس ليقرب الفهم على المخاطب كما قال الأعجمي ما الخبز فقيل له هذا وأشير إلى الرغيف فالغرض الجنس لا هذا الشخص فهكذا تفسير كثير من السلف وهو من جنس التعليم فقول من قال نور السماوات والأرض هادي أهل السماوات والأرض كلام صحيح فإن من معاني كونه نور السماوات والأرض أن يكون هاديا لهم أما أنهم نفوا ما سوى ذلك فهذا غير معلوم وأما أنهم أرادوا ذلك فقد ثبت عن ابن مسعود أنه قال إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه وقد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر وجهه وفي رواية النور ما فيه كفاية فهذا بيان معنى غير الهداية وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها فإذا كانت تشرق من نوره كيف لا يكون هو نورا ولا يجوز أن يكون هذا النور المضاف إليه إضافة خلق وملك واصطفاء كقوله * (ناقة الله) * ونحو ذلك من الوجوه أحدها أن النور لم يضف قط إلى الله إذا كان صفة لأعيان قائمة فلا يقال في المصابيح إنها نور الله ولا في الشمس والقمر وإنما يقال كما قال عبد الله بن مسعود إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه وفي الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة الثاني أن الأنوار المخلوقة كالشمس والقمر تشرق لها الأرض في الدنيا وليس من نور إلا هو خلق من خلق الله وكذلك من قال منور السماوات والأرض لا ينافي أنه نور وكل
(٤٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 475 476 477 478 479 480 481 482 483 517 518 ... » »»