دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ٤٧٧
في نفس الكافر فإن الباطل ضد الحق والكذب ضد الصدق فمن اعتند في الله ما هو منزه عنه كان هذا ضدا للإيمان الصحيح به وأما قوله النور ضد الظلمة وجل الحق أن يكون له ضد فيقال له والحي ضد الميت والعليم ضد الجاهل والسميع والبصير والذي يتكلم ضد الأصم لأعمى الأبكم وهكذا سائر ما سمى الله به من الأسماء لها أضداد وهو منزه عن أن يسمى بأضدادها فجل الله أن يكون ميتا أو عاجزا أو فقيرا ونحو ذلك وأما وجود مخلوق له موصوف بضد صفته مثل وجود الميت والجاهل والفقير والظالم فهذا كثير بل غالب أسمائه لها أضداد موجودة في الموجودين ولا يقال لأولئك إنهم أضداد الله ولكن يقال إنهم موصوفون بضد صفات الله فإن التضاد بين إنما يكن في المحل الواحد لا في محلين فمن كان موصوفا بالموت ضادته الحياة ومن كان موصوفا بالحياة ضاده الموت والله سبحانه يمتنع أن يكون ظلمة أو موصوفا بالظلمة كما يمتنع أن يكون ميتا أو موصوفا بالموت فهذا المعترض أخذ لفظ الضد بالاشتراك ولم يميز بين الضد الذي يضاد ثبوته ثبوت الحق وصفاته وأفعاله وبين أن يكون في مخلوقاته ما هو موصوف بضد صفاته وبين ما يضاده في أمره ونهيه فالضد الأول هو الممتنع وأما الآخران فوجودهما كثير لكن لا يقال إنه ضد الله فإن المتصف بضد صفاته لم يضاده والذين قالوا النور ضد الظلمة قالوا يمتنع اجتماعهما في عين واحدة ولم يقولوا أنه يمتنع أن يكون شيء موصوف بأنه نور وشئ آخر موصوف بأنه ظلمة فليتدبر العاقل هذا التعطيل والتخطيط وأما قوله لو كان نورا لم يجز إضافته إلى نفسه في قوله * (مثل نوره) * فالكلام عليه من طريقين أحدهما أن نقول النص في كتاب الله وسنة رسوله قد سمى الله نور السماوات والأرض وقد أخبر النص أن الله نور وأخبر أيضا أنه يحتجب بالنور فهذه ثلاثة أنوار في النص وقد تقدم ذكر الأول وأما الثاني قوله * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * وفي قوله * (مثل نوره) * وفيما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل ومنه قوله
(٤٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 ... » »»