دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
لكن يبغض ذلك وقد يكون بغضه لفوات غرضه وقد لا يكون ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم في إحضار بعض ما يطلبونه من مال وطعام وثياب ونفقة فقد يأتون ببعض ذلك وقد يدلونه على كنز وغيره واستمتاع الجن بالإنس استعمالهم فيما يريده الشيطان من كفر وفسوق ومعصية ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم فيما يطلبه الإنس من شرك وقتل وفواحش فتارة بتمثل الجني في صورة الإنسي فإذا استغاث به في بعض أتباعه أتاه فظن أنه الشيخ نفسه وتارة يكون التابع قد نادى شيخه وهتف به يا سيدي فلان فينقل الجني ذلك الكلام إلى الشيخ بمثل صوت الإنسي حتى يظن الشيخ أنه صوت الإنسي بعينه ثم إن الشيخ يقول نعم ويشير إشارة يدفع بها ذلك المكروه فيأتي الجني بمثل ذلك الصوت والفعل يظن ذلك الشخص أنه شيخه نفسه وهو الذي أجابه وهو الذي فعل ذلك حتى إن تابع الشيخ قد تكون يده في إناء يأكل فيضع الجني يده في صورة يد الشيخ ويأخذ من الطعام فيظن ذلك التابع أنه شيخه حاضر معه والجني يمثل للشيخ نفسه مثل ذلك الإناء فيضع يده فيه حتى يظن الشيخ أن يده في ذلك الإناء فإذا حضر المريد ذكر له الشيخ أن يدي كانت في الإناء فيصدقه ويكون بينهما مسافة شهر والشيخ في موضعه ويده لم تطل ولكن الجني مثل للشيخ ومثل للمريد حتى ظن كل منهما أن أحدهما عند الآخر وإنما كان عنده ما مثله الجني وخيله وإذا سئل الشيخ المخدوم عن أمر غائب إما سرقة وإما شخص مات وطلب منه أن يخبر بحاله أو علة في النساء أو غير ذلك فإن الجني قد يمثل ذلك فيريه صورة المسروق فيقول الشيخ ذهب لكم كذا وكذا ثم إن كان صاحب المال معظما وأراد أن يدله على سرقته مثل له الشيخ الذي أخذه أو المكان الذي فيه المال فيذهبون إليه فيجدونه كما قال والأكثر منهم أنهم يظهرون صورة المال ولا يكون عليه لأن الذي سرق المال معه أيضا حتى يخدمه والجن يخاف بعضهم من بعض كما أن الإنس يخاف بعضهم بعضا فإذا دل الجني عليه جاء إليه أولياء السارق فآذوه وأحيانا لا يدل لكون السارق وأعوانه يخدمونه ويرشونه كما يصيب معرف اللصوص من الإنس تارة يعرف السارق ولا يعرف به إما لرغبة ينالها منه وإما لرهبة وخوف منه وإذا كان المال المسروق لكبير يخافه ويرجوه عرف سارقه فهذا وأمثاله من استمتاع بعضهم ببعض والجن مكلفون كتكليف الإنس ومحمد صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الثقلين الجن والإنس وكفار الجن يدخلون النار بنصوص وإجماع المسلمين وأما مؤمنهم ففيهم قولان وأكثر العلماء على أنهم يثابون أيضا ويدخلون الجنة وقد روي أنهم يكونون في ربضها يراهم الإنس من
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»