تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٠٧
هذا القول الطبري عن ابن الكلبي. وقال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، وهو الظاهر من الضمائر في الآية. فرقة عصمت وصادت، وكانوا نحوا من سبعين ألفا.
وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وإن هذه الطائفة قالت للناهية: لم تعظون قوما - تريد العاصية - الله مهلكهم أو معذبهم على غلبة الظن، وما عهد من فعل الله تعالى حينئذ بالأمم العاصية. فقالت الناهية: موعظتنا معذرة إلى الله لعلهم يتقون. ولو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية: ولعلكم تتقون، بالكاف.
ثم اختلف بعد هذا، فقالت فرقة: إن الطائفة التي لم تنه ولم تعص هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي، قاله ابن عباس. وقال أيضا: ما أدري ما فعل بهم، وهو الظاهر من الآية. وقال عكرمة: قلت لابن عباس لما قال ما أدري ما فعل بهم: ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم؟ فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نحوا، فكساني حلة. وهذا مذهب الحسن. ومما يدل على أنه إنما هلكت الفرقة العادية لا غير قوله: " وأخذنا الذين ظلموا ". وقوله: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " الآية. وقرأ عيسى وطلحة " معذرة " بالنصب. ونصبه عند الكسائي من وجهين: أحدهما على المصدر. والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة. وهي قراءة حفص عن عاصم. والباقون بالرفع: وهو الاختيار، لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنهم قيل لهم: لم تعظون؟ فقالوا: موعظتنا معذرة. ولو قال رجل لرجل: معذرة إلى الله وإليك من كذا، يريد اعتذارا، لنصب. هذا قول سيبويه. ودلت الآية على القول بسد الذرائع.
وقد مضى في (البقرة). ومضى فيها الكلام في الممسوخ هل ينسل أم لا، مبينا (1). والحمد لله.
ومضى في " آل عمران " و " المائدة " الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (2). ومضى في (النساء (3)) اعتزال أهل الفساد ومجانبتهم، وأن من جالسهم كان مثلهم، فلا معنى للإعادة.

(1) راجع ج 1 ص 439 فما بعد.
(2) راجع ج 4 ص 46 وج‍ 6 ص 253.
(3) راجع ج 5 ص 417 فما بعد.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»