تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٨٨
بعد شخوصه. (أعجلتم أمر ربكم) أي سبقتموه. والعجلة: التقدم بالشئ قبل وقته، وهي مذمومة. والسرعة: عمل الشئ في أول أوقاته، وهي محمودة. قال يعقوب: يقال عجلت الشئ سبقته. وأعجلت الرجل استعجلته، أي حملته على العجلة. ومعنى " أمر ربكم " أي ميعاد ربكم، أي وعد أربعين ليلة. وقيل: أن تعجلتم سخط ربكم. وقيل: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم.
قوله تعالى: (وألقى الألواح) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (وألقى الألواح) أي مما اعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم، قال سعيد بن جبير. ولهذا قيل: ليس الخبر كالمعاينة. ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح عنه، ولا يصح أن إلقاءه الألواح إنما كان لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأمته. وهذا قول ردئ ينبغي أن يضاف إلى موسى صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الألواح تكسرت، وأنه رفع منها التفصيل وبقي (فيها (1)) الهدى والرحمة.
الثانية - وقد استدل بعض جهال المتصوفة بهذا على جواز رمي الثياب إذا اشتد طربهم على المغنى. ثم منهم من يرمي بها صحاحا، ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها. قال: هؤلاء في غيبة فلا يلامون، فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل، رمى الألواح فكسرها، ولم يدر ما صنع. قال أبو الفرج الجوزي: من يصحح عن موسى عليه السلام أنه رماها رمي كاسر؟ والذي ذكر في القرآن ألقاها، فمن أين لنا أنها تكسرت؟ ثم لو قيل:
تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها؟ ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا كان في غيبة، حتى لو كان بين يديه بحر من نار لخاضه. ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغنى من غيره، ويحذرون من بئر لو كانت عندهم. ثم كيف تقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء.
وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال: خطأ وحرام، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. فقال له قائل: فإنهم لا يعقلون ما يفعلون. فقال:

(1) من ب.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»