تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٢٨٧
والسدي: رجع حزينا من صنيع قومه. وقال الطبري: أخبره الله عز وجل قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل، فلذلك رجع وهو غضبان. ابن العربي: وكان موسى عليه السلام من أعظم الناس غضبا، لكنه كان سريع الفيئة (1)، فتلك بتلك. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: كان موسى عليه السلام إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته، ورفع شعر بدنه جبته.
وذلك أن الغضب جمرة تتوقد في القلب. ولأجله أمر النبي صلى الله عليه وسلم من غضب أن يضطجع. فإن لم يذهب غضبه اغتسل، فيخمدها اضطجاعه ويطفئها اغتساله. وسرعة غضبه كان سببا لصكه ملك الموت ففقأ عينه. وقد تقدم في المائدة (2) ما للعلماء في هذا. وقال الترمذي الحكيم: وإنما استجاز موسى عليه السلام ذلك لأنه كليم الله، كأنه رأى أن من اجترأ عليه أو مد إليه يدا بأذى فقد عظم الخطب فيه. ألا ترى أنه احتج عليه فقال: من أين تنزع روحي؟ أمن فمي وقد ناجيت به ربي! أم من سمعي وقد سمعت به كلام ربي! أم من يدي وقد قبضت منه (3) الألواح! أم من قدمي وقد قمت بين يديه أكلمه بالطور! أم من عيني وقد أشرق وجهي لنوره. فرجع إلى ربه مفحما. وفي مصنف أبي داود عن أبي ذر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع). وروي أيضا عن أبي وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه، فقام ثم رجع وقد توضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
قوله تعالى: (بئسما خلفتموني من بعدي) ذم منه لهم، أي بئس العمل عملتم (4) بعدي.
يقال: خلفه، بما يكره. ويقال في الخير أيضا. يقال منه: خلفه بخير أو بشر في أهله وقومه

(1) الفيئة (بفتح الفاء وكسرها): الحالة من الرجوع عن الشئ الذي يكون قد لابسه الإنسان وباشره.
(2) راجع ج 6 ص 122.
(3) في ج: به.
(4) في ب: عملكم.
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»