المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٩٢
ثم وقفهم على السماوات هل لهم فيها شرك ثم استدعى منهم كتابا منزلا قبل القرآن يتضمن عبادة صنم وقوله * (أو أثارة) * معناه أو بقية قديمة من علم أحد العلماء يقتضي عبادة الأصنام وقرأ جمهور الناس (أو إثارة) على المصدر كالشجاعة والسماحة وهي البقية من الشيء كأنها أثره وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى من علم تستخرجونه فتثيرونه وقال مجاهد المعنى هل من أحد يأثر علما في ذلك وقال القرظي هو الإسناد ومن هذا المعنى قول الأعشى (إن الذي فيه تماريتما * بين للسامع والآثر) السريع آثر أي للسند عن غيره ومنه قول عمر رضي الله عنه فما خلفنا بها ذاكرا ولا آثرا وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة والمعنى وخاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة كأنها قد آثر الله بها من هي عنده وقال عبد الله بن العباس المراد ب (الأثارة) الخط في التراب وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر وهذا من البقية والأثر وروي ان النبي عليه السلام سئل عن ذلك فقال (كان نبي من الأنبياء يخطه فمن وافق خطه فذاك) وظاهر الحديث تقوية أمر الخط في التراب وانه شيء له وجه إذا وفق أحد اليه وهكذا تأويله كثير من العلماء وقالت فرقة بل معناه الإنكار أي أنه كان من فعل نبي قد ذهب وذهب الوحي إليه والإلهام في ذلك ثم قال فمن وافق خطه على جهة الإبعاد أي ان ذلك لا يمكن ممن ليس بنبي ميسر لذلك وهذا كما يسألك أحد فيقول أيطير الانسان فتقول إنما يطير الطائر فمن كان له من الناس جناحان طار أي ان ذلك لا يكون والأثارة تستعمل في بقية الشرف فيقال لبني فلان أثارة من شرف إذا كانت عندهم شواهد قديمة وتستعمل في غير ذلك ومنه قول الراعي (وذات أثارة أكلت عليه * نباتا في أكمتها قصارى) الوافر يريد الأثارة من الشحم أي البقية وقرا عبد الرحمن السلمي فيما حكى الطبري (أو أثرة) بفتح الهمزة والثاء والراء دون ألف وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وعمرو بن ميمون والأعمش وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر وحكى الثعلبي ان عكرمة قرأ (أو ميراث من علم) وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي فيما حكى أبو الفتح بسكون الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي وقد قنعت لكم حجة بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم وقرات فرقة (أثرة) بضم الهمزة وسكون الثاء وهذه كلها بمعنى هل عندكم شيء خصكم الله به من علم وآثركم به وقوله تعالى * (ومن أضل) * الآية توبيخ لعبدة الأصنام أي لا أحد أضل ممن هذه صبغته وجاءت الكنايات في هذه الآية عن الأصنام كما تجيء عمن يعقل وذلك أن الكفار قد انزلوها منزلة الآلهة وبالمحل الذي دونه البشر فخوطبوا على نحو معتقدهم فيها وفي مصحف عبد الله بن مسعود (ما لا يستجيب) والضمير في قوله " ومن هم من دعائهم غافلون " هو للأصنام في قول جماعة ووصف الأصنام بالغفلة من حيث عاملهم معاملة من يعقل ويحتمل ان يكون الضمير في قوله * (وهم) * وفي
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»