المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٨
زيد الأنصاري إنهما بمعنى الهزء وقال أبو عبيدة وغيره إن ضم السين من السخرة والتخديم وكسر السين من السخر وهو الاستهزاء ومنه قول الأعشى. البسيط (إني أتاني حديث لا أسر به * من علو لا كذب فيه ولا سخر) قال أبو علي قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى إلى قوله * (وكنتم منهم تضحكون) * قال القاضي أبو محمد ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * لما تخلص الأمر للتخديم قال يونس إذا أريد التخديم فضم السين لا غير وإذا أريد تخلص الاستهزاء فالضم والكسر وقرا أصحاب عبد الله والأعرج وابن أبي إسحاق كل ما في القرآن بضم السين وقرأ الحسن وأبو عمرو كل ما في القرآن بالكسر إلا التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس لأنها من التخديم وأضاف الإنسان إلى الفريق من حيث كان بسببهم والمعنى أن اشتغالهم بالهزء بهؤلاء أنساهم ما ينفعهم وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر أنهم هم الفائزون بفتح الألف ف * (جزيتهم) * عامل في أن ويجوز أن يعمل في مفعول محذوف ويكون التقدير لأنهم وقرأ حمزة والكسائي وخارجة عن نافع إنهم بكسر الألف فالمفعول الثاني ل جزية مقدر تقديره الجنة أو الرضوان و * (الفائزون) * المنتهون إلى غايتهم التي كانت أملهم ومعنى الفوز النجاة من هلكه إلى نعمة.
قوله عز وجل سورة المؤمنون الآية 112115 قرا نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قال كم لبثتم وقل إن لبثتم وقرا حمزة والكسائي فيهما قل لكم لبثتم وقل إن لبثتم وروى البزي عن ابن كثير قل كم على الأمر قال إن على الخبر وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي التاء والباقون لا يدغمون فمعنى الأول إخبار عن الله بوقفهم بالسؤال عن المدة ثم يعلمهم آخرا بلبثهم قليلا ومعنى الثانية الأمر لواحد منهم مشار إليه بمعنى يقال لأحدهم قل كذا فإذا قال غير القويم قيل له قل إن لبثتم ومعنى رواية البزي التوقيف ثم الإخبار وفي المصاحف قال فيهما إلا في مصحف الكوفة فإن فيه قل بغير الألف وقوله * (في الأرض) * قال الطبري معناه في الدنيا احياء وعن هذا وقع السؤال ونسوا لفرط هول العذاب حتى قالوا * (يوما أو بعض يوم) *.
قال الفقيه الإمام القاضي والغرض من هذا توقيفهم على أن أعمارهم قصيرة أداهم الكفر فيها إلى عذاب طويل وقال جمهور المتأولين معناه في جوف التراب أمواتا.
قال الفقيه الإمام القاضي وهذا هو الأصوب من حيث أنكروا البعث وكان قوله إنهم لا يقومون من
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»