المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٨
وذريته من سلالة وما يكون عن الشيء فهو سلالته وتختلف وجوه ذلك الكون فمنه قولهم للخمر سلالة لأنها سلالة العنب ومنه قول الشاعر الطويل (إذا أنتجت منها المهار تشابهت * على العود إلا بالأنوف سلائله) ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير سليلة أفراس تجللها بغل) ومنه قول الآخر حسان بن ثابت الطويل (فجاءت به عضب الأديم غضنفرا * سلالة فرج كان غير حصين) وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في جعلنا وأنشأنا و * (النطفة) * تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره وهي هنا لمني ابن آدم والقرار المكين من المرأة هو موضع الولد والمكين المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم و * (العلقة) * الدم الغريض و * (المضغة) * بضعة اللحم قدر ما يمضغ وقرأ الجمهور * (عظاما) * في الموضعين وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عظما بالإفراد في الموضعين وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولا وبالجمع في الثاني وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكير بعكس ذلك وفي قراءة ابن مسعود ثم جعلنا المضغة عظما وعصبا فكسوناه لحما واختلف الناس في الخلق الآخر فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد هو نفخ الروح فيه وقال ابن عباس أيضا خروجه إلى الدنيا وقال قتادة عن فرقة نبات شعره وقال مجاهد كمال شبابه وقال ابن عباس أيضا تصرفه في أمور الدنيا.
قال الفقيه الإمام القاضي وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها * (آخر) * وأول رتبة من كونه * (آخر) * هي نفخ الروح فيه والطرف الآخر من كونه * (آخر) * تحصيله المعقولات وتبارك مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله * (آخر) * قال * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل ويروى أن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي سرح وبهذا السبب ارتد وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت " ومن أظلم ممن أفترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله " الآية وقوله * (أحسن الخالقين) * معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئا خلقه ومنه قول الشاعر الكامل (ولأنت تفري ما خلقت * وبعض القوم يخلق ثم لا يفري) وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس فقال ابن جريج إنما قال * (الخالقين) * لأنه تعالى قد أذن لعيسى في أن يخلق واضطرب بعضهم في ذلك ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية الاختراع والإيجاد من العدم ومن هذه الآية قول ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا الله أعلم فقال عمر ما تقول يا ابن عباس فقال يا أمير المؤمنين إن الله خلق
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»