المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٩٨
آخر الآية وحض على التقوى التي هي ملاك الدين والدينا وبها يلقى العدو وقد قال بعض الصحابة إنما تقاتلون الناس بأعمالكم وأهلها هم المجدون في طرق الحق فوعد تعالى أنه مع أهل التقوى ومن كان الله معه فلن يغلب.
قوله عز وجل التوبة 124 - 126 هذه الآية نزلت في شأن المنافقين والضمير في قوله * (فمنهم) * عائد على المنافقين وقوله تعالى * (أيكم زادته هذه إيمانا) * يحتمل أن يكون لمنافقين مثلهم ويحتمل أن يكون لقوم من قراباتهم من المؤمنين يستنيمون إليهم ويثقون بسترهم عليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق ومعنى * (أيكم زادته هذه إيمانا) * الاستخفاف والتحقير لشأن السورة كما تقول أي غريب في هذا أو أي دليل ثم ابتدأ عز وجل الرد عليهم والحكم بما يهدم لبسهم فأخبر أن المؤمنين الموقنين قد زادتهم إيمانا وأنهم * (يستبشرون) * من ألفاظها ومعانيها برحمة الله ورضوانه والزيادة في الإيمان موضع تخبط للناس وتطويل وتلخيص القول فيه ان الإيمان الذي هو نفس التصديق ليس مما يقبل الزيادة والنقص في نفسه وإنما تقع الزيادة في المصدق به فإذا نزلت سورة من الله تعالى حدث للمؤمنين بها تصديق خاص لم يكن قبل فتصديقهم ما تضمنته السورة من إخبار وأمر ونهي أمر زائد على الذين كان عندهم قبل فهذا وجه من زيادة الإيمان ووجه آخر أن السورة ربما تضمنت دليلا أو تنبيها عليه فيكون المؤمن قد عرف الله بعدة أدلة فإذا نزلت السورة زادت في أدلته وهذه أيضا جهة أخرى من الزيادة وكلها خارجة عن نفس التصديق إذا حصل تاما فإنه ليس يبقى فيه موضع زيادة ووجه آخر من وجوه الزيادة أن الرجل ربما عارضه شك يسير أو لاحت له شبهة مشغبة فإذا نزلت السورة ارتفعت تلك الشبهة واستراح منها فهذا أيضا زيادة في الإيمان إذ يرتقي اعتقاده عن مرتبة معارضة تلك الشبهة إلى الخلوص منها وأما على قول من يسمي الطاعات إيمانا وذلك مجاز عند أهل السنة فتترتب الزيادة بالسورة إذ تتضمن أوامر ونواهي وأحكاما وهذا حكم من يتعلم العلم في معنى زيادة الإيمان ونقصانه إلى يوم القيامة فإن تعلم الإنسان العلم بمنزلة نزول سورة القرآن و * (الذين في قلوبهم مرض) * هم المنافقون وهذا تشبيه وذلك أن السالم المعتقد المنشرح الصدر بالإيمان يشبهه الصحيح والفاسد المعتقد يشبهه المريض ففي العبارة مجاز فصيح لأن المرض والصحة إنما هي خاصة في الأعضاء فهي في المعتقدات مجاز والرجس في هذه الآية عبارة عن حالهم التي جمعت معنى الرجس في اللغة وذلك أن الرجس في اللغة يجيء بمعنى القذر ويجيء بمعنى العذاب وحال هؤلاء المنافقين هي قذر وهي عذاب عاجل كفيل بآجل وزيادة الرجس إلى الرجس هي عمههم في الكفر
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»